عبدالله علي بانخر

المؤثرون لا يتبعهم إلا المتأثرين أو المتابعين فقط لا غير

الاثنين - 23 ديسمبر 2024

Mon - 23 Dec 2024

قد يتبادر للذهن وللوهلة الأولى أن الآية الكريمة "والشعراء يتبعهم الغاوون" من سورة الشعراء (الآية 224) تعني أن الأمر متعلق بالشعر على عمومه لا قدر الله.. ولكنها كما أوضح جل المفسرين أن المقصود بها نفي صفة الشعر عن القرآن الكريم، وكذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما توضح أن المرفوض من الشعر شرعا هو ما توحي به شياطين الإنس والجن من فحش القول، كما أن الشعر في مجمله مباح طالما لم يتجاوز الكفر بالله والشرك به وإيذاء رسوله الكريم، ويخالف القيم الإنسانية العامة والعرف الأخلاقي المعتاد.

لقد وصف العرب الشعر بكونه "ديوان العرب" أي سجلهم الحافل في السلم والحرب معا والمحتفي بكل القيم والعادات والتقاليد، علاوة على تتبع الأحداث والأماكن والأزمنة المختلفة، وهذا ما أكده المبدع المفكر الشاعر الأديب الدكتور غازي القصيبي في أحد أشهر كتبه أيضا، والشعر ما هو إلا أحد أشكال ما يطلق عليه الآن بلغة العصر.. محتوى وليس فقط مجرد المعنى للكلمة.. سواء المكتوبة أو المسموعة أو المرئية، وتضم العبارات أو التعبيرات المتعددة والمؤثرات المختلفة التي تعتمد على الكلمة في صناعة المحتوى النصي، سواء كان شعرا أو نثرا أو شكلا آخر من أدبيات وسرديات اللغة العربية التي شرفها الله بأن أرسل وحيه على خاتم رسله باللغة العربية دون غيرها من اللغات العالمية الأخرى، اللغة العربية التي يحتفى بها عالميا في 18 ديسمبر من كل عام ووفقا للأمم المتحدة، وقد كانت ولا تزال وستظل الكلمة بكل لغات العالم وخصوصا العربية أو الجملة أو العبارة أي نص عادة ما يمر عبر وسائل أو وسائط الاتصال التقليدي أو غير التقليدي وخاصة ما يعرف بالرقمي، وبالأخص المنتشر بوتيرة مشتعلة ومستعرة عبر ما يسمى بوسائل التواصل الاجتماعي.. والتي يتصدر مشهدها الآن للأسف الشديد أعداد ممن يطلق عليهم "المؤثرين أو المشاهير" الذين ليسوا بالضرورة من أهل علم وعمل لمجال ما بعينه أو ليسوا حتى من ذوي المهارات من المهنيين الممارسين المحترفين، بل ربما يكون الأغلب منهم - وللأسف الأشد - من غير المتخصصين أو غير الدارسين لمجال بعينه أو حتى غير المهنيين الممارسين، بل هواة أو ربما هم أقرب للمغامرين أو المتجرئين أحيانا بتهور غير مسؤول أو ربما غير مقبول.. وحتى لا نعمم أو نفترض التعميم لا سمح الله، ليس كل المؤثرين أو المشاهير على تلك الشاكلة المذكورة والمزعومة إلا من رحم ربي طبعا، إما بالدراسة أو الممارسة أو فوق ذلك كل بمسؤولية وأمانة الكلمة بحق ووفقا للقيم الإنسانية والشريعة السمحاء للدين القويم.. وقبل كل ذلك مسؤولية وأمانة الكلمة الصادرة عن هؤلاء.

وقبل أن نذكر أصناف أو أنواع المتأثرين بهؤلاء المؤثرين الذين أعلت من شأنهم الرقمية الحديثة أو ما يطلق عليه وسائل التواصل الاجتماعي.. يجدر الإشارة إلى أن التأثير والأثر والمؤثرات هي أحد أبرز العمليات الاتصالية التي ركز عليها خبراء وعلماء الاتصال منذ إرهاصات هذا المجال الإنساني الحيوي الهام.. وقد حددوا أن التأثير هو الهدف المطلوب إحداثه من قبل المرسل أو القائم بالاتصال لدى المستقبل أو المتلقي، كما أن الأثر هو النتيجة الفعلية المتحققة لدى الجمهور من متلقين ومستقبلين لهذا الاتصال، وقد يوافق التأثير الأثر كليا أو نسبيا، وكذلك قد يختلف الأثر عن التأثير جزئيا أو كليا أيضا. تلعب المؤثرات سواء الإيجابية منها أو حتى السلبية منها في تحقيق الأهداف المرجوة تدرجا إلى عدم تحقيقها بالكامل أحيانا.

تشير المراجع العلمية إلى أن مؤسس نظرية نشر الابتكار Diffusion of Innovation العالم إيفيريت روجرز Everett Rogers في عام 1963م لأول مرة وحتى يومنا هذا.. والذي قدم أنموذجا مميزا لنشر الأفكار الجديدة ومراحل تقبل الجمهور لها.. فقد حدد روجرز في نموذجه 5 مراحل أساسية لتقبل الأفكار الجديدة كالتالي:
  1. التعرض Awareness: التلقي الأولي أو المبدئي للفكرة لأول مرة.
  2. الاهتمام Interest: الطلب للمزيد من المعلومات تلبية لاحتياجات المتلقي.
  3. التجربة Trial: المحاولة أو القياس أو التطبيق سواء مباشرة أو عبر آخرين.
  4. التقييم Assessment: المراجعة الكمية والكيفية لنتائج التجربة أو المحاولة أو القياس أو التطبيق.
  5. اتخاذ القرار Decision Making: التحديد للمواقف تجاه الفكرة المقدمة إما القبول أو الرفض أو عدم اتخاذ موقف.. وللمعلومية فإنه ليس بالضرورة أن يمر جميع أو أغلب البشر بهذه المراحل، ولكن وفقا لطبيعة الموضوع أو الفكرة، وأيضا من خصائص الجمهور Audience Characteristics المتنوعة كميا وكيفا.. ومن تلك المراحل حدد روجرز خمسة أصناف أو تقسيمات للجمهور في التعامل مع تقبل الأفكار الجديدة New Ideas كما يلي على الترتيب:
أولا: القابلون المبكرون Early Adopters، وعادة ما تتراوح نسبتهم في حدود 10-15% بداية.
ثانيا: عموم القابلين Majority Adopters، وعادة ما تتراوح نسبتهم في حدود 35-40%.
ثالثا: القابلون المتأخرون Late Adopters، وعادة ما تتراوح نسبتهم في حدود 35-40%.
رابعا: المتقاعسون Laggards، وعادة ما تتراوح نسبتهم في حدود 10-15%.
خامسا: الرافضون Refusals للفكرة الجديدة تماما وكذلك بعد استبعاد المبتكرين Innovators ابتداء أيضا.

وتختلف بكل تأكيد نسب القبول أو الرفض أو فيما بينهما وفقا لطبيعة الموضوع Subject أو طبيعة الجماهير المستهدفة Targeted Audiences.

وبالعودة للمؤثرين الجدد في الوسائل غير التقليدية الرقمية والتي يطلق عليها الآن وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يعرفون بالمشاهير الجدد الذين يلاحظ ارتفاع أرقام متابعيهم بالملايين أو ربما بمئات الملايين، بل تصل أحيانا إلى آلاف الملايين من متابعين نجدهم لا يتجاوزون عددا من أربعة إلى خمسة أصناف من المتابعين للمشاهير أو المؤثرين الجدد كما يلي:
أولا: متابعون أو متأثرون حقيقيون أو فعليون مبكرون أو لاحقون أو حتى متأخرون يتوقع أن تتراوح نسبهم في حدود من 15-20% فقط من تلك الأرقام الفلكية المعلنة.
ثانيا: متابعون أو متأثرون حقيقيون ولكنهم متأخرون أو لاحقون للمتأثرين يتوقع أن تتراوح نسبهم من 15-20% من باب حب الاستطلاع أو الفضول الزائد.
ثالثا: متابعون أو متأثرون غير حقيقيين أو فعليين، أو افتراضيون يتم شراؤهم بالخوارزميات المبرمجة، ويتوقع أن تتراوح نسبهم في حدود من 15-20% من تلك الأرقام الفلكية المعلنة، ويقدر عدد 10 آلاف متابع يشتري بحدود 1-2 دولار أمريكي في التو واللحظة، وربما أكثر عددا وأقل سعرا.
رابعا: متابعون أو متأثرون رافضون للفكرة نفسها، ولكن يتابعون لمعرفة ماذا يحدث بالتبعية أو التقليد، ويتوقع أن تتراوح نسبهم من 15-20% من تلك الأرقام الفلكية المعلنة.
خامسا: آخرون لا أحد يعلم عنهم أي شيء لأسباب أخرى قد تتراوح نسبتهم 15-20% من تلك الأرقام الفلكية المعلنة حسابيا وافتراضيا.

في الختام، وعودة على بدء المقال فإن المتأثرين في حقيقة الأمر ليس بالضرورة أن يكونوا بذلك الكم المستفيض والأرقام المعلن عنها تجاوزا.. وقد نستنتج من جميع ما سبق أن المتأثرين فعليا قد لا يمثلون إلا في حدود 40% على أقل تقدير أو في حدود 60% على أعلى تقدير مما قد يعتبره البعض غير القليل أنهم متأثرون حقا وصدقا وفعلا لا فقط قولا مرسلا.