وليد الزامل

ومضى قطار الرياض نحو المستقبل!

السبت - 07 ديسمبر 2024

Sat - 07 Dec 2024

سعدنا في الأسبوع الماضي بخبر افتتاح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، مشروع قطار الرياض، الذي يؤسس لمنظومة نقل متكاملة في مدينة الرياض. هذه المدينة التي بقيت فترة طويلة دون تأسيس شبكة قطارات خفيفة، وهي اليوم تستقبل القطار الذي طال انتظاره. المأمول أن يساهم هذا المشروع بتعزيز منظومة النقل وتقليل حجم الازدحام المروري ورفع مستوى جودة الحياة بما ينسجم مع مستهدفات "رؤية المملكة 2030".

في الواقع الحديث عن مشاريع النقل الحضري غالبا ما يأتي في سياق هندسي أو تصميمي، بما في ذلك سعة المحطات وتصميمها وعدد الركاب المتوقع واتجاهات مسارات القطار وتطوير المخارج والطرق السريعة. ولكن المدن اليوم ليست كيانات منفردة بذاتها؛ بل هي مجموعة من المكونات المترابطة التي تتفاعل مع المجتمع. وهكذا فلا يمكن معالجة قضية الازدحام المروري بمعزل عن استعمالات الأراضي الحضرية وتوزيع الأنشطة والوظائف. وتأتي أهمية "التخطيط العمراني" في كونه يتناول القضايا الحضرية المستقبلية استنادا إلى تحليل النمو السكاني وحجم الموارد المتاحة في المدينة ومواءمتها مع الأهداف الاستراتيجية العليا بما يخدم المجتمع ويتماشى مع إطار الاستدامة.

تضع الخطة الاستراتيجية للمدينة تصورا للمدينة في سنة الهدف، وتحدد نوعية المشاريع المستقبلية في جميع القطاعات الحيوية بما في ذلك قطاع النقل والخدمات اللوجستية.

إن الأثر العمراني لمشروع ما لا يمكن أن يظهر بشكل ملموس خلال فترة زمنية قصيرة، وتحتاج مثل هذه المشاريع إلى فترة زمنية طويلة لاستيعاب أثرها على منظومة النقل في مدينة الرياض. وتأسيسا لذلك، فإن استخدام قطار الرياض مرهون بمدى فاعليته في تلبيه احتياجات سكان المدينة ليوفر بديلا أكثر عملية من المركبات الخاصة. يحتاج هذا المشروع إلى مجموعة من المحفزات لضمان تأثيره بشكل واسع النطاق على سكان المدينة، ولعلي ألخصها على النحو التالي:

أولا: تكثيف استعمالات الأراضي في المناطق المحيطة بمحطات القطار، بما في ذلك مناطق الإسكان عالية الكثافات، والمناطق التجارية ومراكز الأعمال والوظائف، وربطها بساحات وفراغات عامة ومناطق خضراء.

ثانيا: التأكيد على أن يكون زمن الرحلة المستغرق للوصول إلى الوجهة النهائية أقل منه باستخدام المركبات الخاصة وأوفر اقتصاديا؛ وهو ما يعني استغناء شريحة كبيرة من المجتمع عن السيارة كوسيلة نقل واستبدالها بالنقل العام.

ثالثا: تطوير خطة لتحفيز استخدام قطار الرياض كوسيلة نقل مستدامة وليس تجربة مؤقتة، وهذا يقتضي تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والجامعات لنقل الموظفين والعمال والطلاب بأسعار رمزية، من خلال منظومة الحافلات الصغيرة التي ترتبط بمحطات الحافلات وصولا لمسارات القطار.

رابعا: إعادة جدولة أجرة ركوب الحافلات المرتبطة بالمحطات، بحيث تكون مجانية خلال سنة لكسب أكبر قدر من المستخدمين وهذا أكثر جدوى من تحرك الحافلات بلا ركاب.

خامسا: العمل على إعداد خطة لتقويم تجربة قطار الرياض واستدراك أي فجوات، فالتخطيط المرن يقتضي متابعة الخطة حتى بعد تشغيلها واستقراء آراء المجتمع والبحث عن البدائل الممكنة وابتكار الحلول التي تزيد من فعاليتها.

ختاما، فقد مضى قطار الرياض نحو المستقبل؛ ولكن لا بد من استحضار دور "التخطيط العمراني" في المدن، بحيث يتم تضمين المشاريع المستقبلية ضمن الخطط الاستراتيجية، بما في ذلك تأسيس خطوط النقل العام ومسارات القطارات الخفيفة والفراغات المستقبلية، وهذا سوف يوفر من تكاليف عمليات التنفيذ أو نزع الأراضي وإنشاء الجسور وحفر الأنفاق.