الضغوط الصينية.. والتزام فرنسا بحقوق الإنسان!
السبت - 23 نوفمبر 2024
Sat - 23 Nov 2024
لطالما قدمت الجمهورية الفرنسية نفسها كداعم قوي لحقوق الإنسان، وتجسد ذلك في مواقفها تجاه العديد من القضايا الدولية، وملاحقة الدول من مختلف أنحاء العالم في ملفات حقوقية، بما في ذلك حقوق الشعوب الأصلية والمناطق المضطهدة، مثل "التيبت" التي ضمتها الصين في خمسينات القرن الماضي.
لكن يبدو أن الحكومة الفرنسية تتعامل مع هذا الملف كمعاملتها لملفات أخرى في سياستها الخارجية بعدد من دول أفريقيا وأقاليم ما وراء البحار "الجزر التابعة لها"، وفقا للقول المأثور "يرى القشة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه"، وذلك بعد أن رضخت حكومة ماكرون قبل أسابيع للضغوط الصينية بإلغاء كلمة "تيبت" من على لوحات إيضاحية، موضوعة إلى جانب أعمال فنية وتحف أثرية خاصة بمنطقة التيبت في متحفين فرنسيين هما غيميه وبرانلي-جاك شيراك، حيث استعيض عنها بكلمة "منطقة الهيملايا" و كلمة "زيزانغ"، نسبة إلى الاسم الصيني المستخدم لتلك المنطقة.
ووفقا لصحيفة لوموند الفرنسية، فقد أثار هذا التصرف حفيظة رئيس حكومة التيبت في المنفى، المقيم في مدينة دارمسلا بالهند، وكتب رسالة رسمية لكل من وزارتي الثقافة والخارجية الفرنسية ومحافظة باريس والمتحفين، ليعرب عن "قلقة وخيبة أمله من إلغاء اسم التيبت"، ولإثنائهم عن "محو" وجود وتاريخ التيبت.
لفهم هذا الموقف الجديد، لا بد أن نشير إلى أن الدبلوماسية الفرنسية تتعامل مع الصين منذ خمسينات القرن الماضي، بطريقة مميزة، بل أنها دعت إلى دمجها في النظام العالمي، وكانت فرنسا أول دولة كبرى في حلف الناتو تعترف بجمهورية الصين الشعبية عام 1964م، كما أن باريس احتفظت بسياستها الخاصة تجاه الصين مع مرور الزمن، وأبدت رغبتها في بناء شراكة عالمية معها.
وأثناء رحلته إلى الصين في أبريل 2023، تحدث الرئيس إيمانويل ماكرون بشكل إيجابي يعبر فيه عن نظرة بلاده المميزة إلى بكين، معتبرا أن أوروبا لا ينبغي لها أن تنخرط في أزمات لا تخصها، وهو ما أثار ردودا أمريكية وأوروبية غاضبة آن ذاك.
يدعم ذلك وجود ملفات مشتركة بين البلدين في عدد من جزر المحيط الهادئ، لا بد من العمل الدبلوماسي لاحتوائها، حيث تعمل فرنسا بكل ما أوتيت من قوة على فرض سيادتها على كاليدونيا الجديدة وبولينيزيا الفرنسية، اللتين تمتعان بحكم ذاتي، في حين تحاول الصين في الوقت نفسه تطوير علاقات واعدة مع حركات الاستقلال هناك، بما يحقق انتفاعها من الثروات الطبيعية في كاليدونيا مثل معدن النيكل، ومما تتميز به بولينيزيا من موقع أساسي في طرق التجارة البحرية في المنطقة.
من هنا نستطيع القول إن فرنسا تعمل على ضبط علاقاتها مع الصين بالشكل الذي يضمن حماية مصالحها الاقتصادية المشتركة، إلا أن ذلك ربما يضعها في موقف أصعب مع حلفائها، وفي مقدمتهم أستراليا والولايات المتحدة، الذين ينتقدون سياسة باريس تجاه الصين، مما يجعلها حليفا غير موثوق به، واتضح ذلك في اتفاق أوكوس الذي وقعته أستراليا مع واشنطن ولندن، وألغت بموجبه عقدا لشراء 12 غواصة فرنسية.
باختصار، إن قضية إزالة كلمة التبت من المتاحف الفرنسية تُعد انكشافا جديدا لسياسة فرنسا التي تتعامل بوجهين لتحقيق مصالحها، وجه يدعي الفضيلة ومراعاة حقوق الإنسان على أنها أولوية، وآخر لا يرى أن هناك أصلا للحقوق مقابل تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية. ويبقى السؤال هل ستبقى فرنسا متمسكة بالتزاماتها المعلنة بمبادئ حقوق الإنسان والديموقراطية أم ستواصل السير في طريق الانصياع لضغوط القوى الكبرى مثل الصين؟ وفي كلتا الحالتين، هذا التناقض قد يؤثر على مكانة فرنسا على الساحة الدولية، ويثير الشكوك حول مصداقية مواقفها المعلنة تجاه حلفائها وحقوق الإنسان.
لكن يبدو أن الحكومة الفرنسية تتعامل مع هذا الملف كمعاملتها لملفات أخرى في سياستها الخارجية بعدد من دول أفريقيا وأقاليم ما وراء البحار "الجزر التابعة لها"، وفقا للقول المأثور "يرى القشة في عين أخيه ولا يرى الجذع في عينه"، وذلك بعد أن رضخت حكومة ماكرون قبل أسابيع للضغوط الصينية بإلغاء كلمة "تيبت" من على لوحات إيضاحية، موضوعة إلى جانب أعمال فنية وتحف أثرية خاصة بمنطقة التيبت في متحفين فرنسيين هما غيميه وبرانلي-جاك شيراك، حيث استعيض عنها بكلمة "منطقة الهيملايا" و كلمة "زيزانغ"، نسبة إلى الاسم الصيني المستخدم لتلك المنطقة.
ووفقا لصحيفة لوموند الفرنسية، فقد أثار هذا التصرف حفيظة رئيس حكومة التيبت في المنفى، المقيم في مدينة دارمسلا بالهند، وكتب رسالة رسمية لكل من وزارتي الثقافة والخارجية الفرنسية ومحافظة باريس والمتحفين، ليعرب عن "قلقة وخيبة أمله من إلغاء اسم التيبت"، ولإثنائهم عن "محو" وجود وتاريخ التيبت.
لفهم هذا الموقف الجديد، لا بد أن نشير إلى أن الدبلوماسية الفرنسية تتعامل مع الصين منذ خمسينات القرن الماضي، بطريقة مميزة، بل أنها دعت إلى دمجها في النظام العالمي، وكانت فرنسا أول دولة كبرى في حلف الناتو تعترف بجمهورية الصين الشعبية عام 1964م، كما أن باريس احتفظت بسياستها الخاصة تجاه الصين مع مرور الزمن، وأبدت رغبتها في بناء شراكة عالمية معها.
وأثناء رحلته إلى الصين في أبريل 2023، تحدث الرئيس إيمانويل ماكرون بشكل إيجابي يعبر فيه عن نظرة بلاده المميزة إلى بكين، معتبرا أن أوروبا لا ينبغي لها أن تنخرط في أزمات لا تخصها، وهو ما أثار ردودا أمريكية وأوروبية غاضبة آن ذاك.
يدعم ذلك وجود ملفات مشتركة بين البلدين في عدد من جزر المحيط الهادئ، لا بد من العمل الدبلوماسي لاحتوائها، حيث تعمل فرنسا بكل ما أوتيت من قوة على فرض سيادتها على كاليدونيا الجديدة وبولينيزيا الفرنسية، اللتين تمتعان بحكم ذاتي، في حين تحاول الصين في الوقت نفسه تطوير علاقات واعدة مع حركات الاستقلال هناك، بما يحقق انتفاعها من الثروات الطبيعية في كاليدونيا مثل معدن النيكل، ومما تتميز به بولينيزيا من موقع أساسي في طرق التجارة البحرية في المنطقة.
من هنا نستطيع القول إن فرنسا تعمل على ضبط علاقاتها مع الصين بالشكل الذي يضمن حماية مصالحها الاقتصادية المشتركة، إلا أن ذلك ربما يضعها في موقف أصعب مع حلفائها، وفي مقدمتهم أستراليا والولايات المتحدة، الذين ينتقدون سياسة باريس تجاه الصين، مما يجعلها حليفا غير موثوق به، واتضح ذلك في اتفاق أوكوس الذي وقعته أستراليا مع واشنطن ولندن، وألغت بموجبه عقدا لشراء 12 غواصة فرنسية.
باختصار، إن قضية إزالة كلمة التبت من المتاحف الفرنسية تُعد انكشافا جديدا لسياسة فرنسا التي تتعامل بوجهين لتحقيق مصالحها، وجه يدعي الفضيلة ومراعاة حقوق الإنسان على أنها أولوية، وآخر لا يرى أن هناك أصلا للحقوق مقابل تحقيق المصالح السياسية والاقتصادية. ويبقى السؤال هل ستبقى فرنسا متمسكة بالتزاماتها المعلنة بمبادئ حقوق الإنسان والديموقراطية أم ستواصل السير في طريق الانصياع لضغوط القوى الكبرى مثل الصين؟ وفي كلتا الحالتين، هذا التناقض قد يؤثر على مكانة فرنسا على الساحة الدولية، ويثير الشكوك حول مصداقية مواقفها المعلنة تجاه حلفائها وحقوق الإنسان.