ياسر عمر سندي

من الإبادة إلى الريادة

الأربعاء - 13 نوفمبر 2024

Wed - 13 Nov 2024

لست متخصصا في الكتابة عن الشأن السياسي؛ واعتبر نفسي مهتما في النواحي النفسية والجوانب المجتمعية والقضايا الإدارية والتنظيمية التي تعنى بشؤون التطوير والتنمية وزيادة المعرفة وتأثيرها على الجانب الإنساني والبشري المستدام.

دولة أفريقية تدمرت نتيجة الصراعات السياسية العرقية والتشرذم الطائفي عام 1994 منذ اندلاع الشرارة التي فككت شعبا يقدر بـ10 ملايين نسمة آنذاك، جراء إبادة جماعية كبيرة وكارثة إجرامية تسببت بحرب أهلية ومذبحة عشوائية استمرت لما يقارب 100 يوم، ذهب ضحيتها أكثر من مليون إنسان وتشرد مئات الآلاف للدول المجاورة.

إفرازات ذلك التفكك نتيجة الاستعمار أقصد الاستدمار إن صح التعبير من الاحتلال الألماني والفرنسي والبلجيكي الذي خلف آثارا سلبية قضت على الجانب النفسي والاجتماعي والتعليمي والاقتصادي، واستبقى الجهل سيدا للموقف، والذي تسبب في إحداث الفتنة العنصرية بين قبيلتين هما "التوتسي والهوتو" اللتين تمثلان الشعب من خلال مبدأ "فرق تسُد"، والتي زادت من مطامع النهب والسلب لخيرات البلد الطبيعية والمادية.

أطلقوا عليها عدة مسميات منها "بلد الألف تل" و"المعجزة الاقتصادية" و"سنغافورة أفريقيا" وإن جاز لي أن أسميها "رواندا البيضاء" تعبيرا عن شعبها الطيب وقلوبهم البيضاء التي تلطخت بسواد الفتنة وحمرة الدم المراق، والذين أثبتوا للعالم بعد ذلك حسن نواياهم وحبهم للحياة المستقبلية.

ما دفعني لكتابة هذا المقال هو اطلاعي على تلك التجربة الإيجابية التي عاشتها رواندا إبان حكم الرئيس "بول كاغامي" الذي ركز في إدارته على فلسفة الاستدامة وتعزيز فكر التنمية المستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية التي أنقذت البلاد والعباد، ونقلت رواندا من الدمار إلى العمار، من خلال سداسية تنموية وهي بناء العلاقات الاجتماعية وتعزيز اللحمة الوطنية ودعم التعليم وتأسيس البنية التقنية ورفع القيمة الاقتصادية وصناعة الجذب السياحي.

وفي سعيه للمضي قدما قام بتطبيق الإصلاحات الوطنية بإصداره قانونا يلغي بموجبه الطبقية المجتمعية وتجريم التلميحات العنصرية؛ كما ألغى بطاقات التصنيف الانتمائي والقبلي وأطلق أكثر من 2000 سجين، منهم معارضون للمشاركة في النسيج الوطني.

قام بتشكيل تكنوقراط اقتصادي متنوع وإرسالهم لسنغافورة لنقل تجربتهم الاقتصادية والبيئية، مما ضاعف ذلك من اقتصاد رواندا ثلاث مرات على مدى عقدين من الزمن بمعدل نمو 8%.

عزز من تمكين المرأة ومنحها مقعدا في البرلمان والدولة بسبب أن كثرة ضحايا الحرب الأهلية كانوا من الرجال، مما زاد من أعداد النساء، ولأن المرأة عانت من العنف والاضطهاد فإن وجودها يعتبر تغييرا للخارطة المجتمعية بتربية الجيل الجديد على الأخلاقيات.

زادت ميزانية التعليم بشكل مضطرد وتم تكريم المعلم وتعزيز مكانته ليرفع من قيمة طلاب المرحلة الابتدائية، وقام بفرض تدريس تاريخ المذبحة الأهلية وآثارها السلبية لترسخ في أذهان الأطفال كتجربة مريرة لن تتكرر.

ساعد المزارعين بقروض لاستصلاح الأراضي وزراعتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الشاي والبن والتصدير الخارجي.

حددت الحكومة يوم السبت من كل آخر شهر كيوم للنظافة العامة بإجازة رسمية للمواطنين وتعطيل سير المركبات حتى يبادر الشعب بكل مستوياتهم وأعمارهم للخروج الى الشوارع وتنظيفها، حتى أصبحت العاصمة "كيغالي" أجمل عواصم أفريقيا.

تنامى قطاع السياحة الخضراء وجمال الطبيعة الخلابة بسبب استمرارية هطول الأمطار حتى أصبح عدد الزوار يزيد على المليون سائح سنويا وبعائد يربو على 400 مليون دولار.

تم التعاون مع اليابان لاستقطاب التقنيات والاتصالات واستخدام الطاقة المتجددة وتصنيع أول جهاز خلوي وإطلاق قمر صناعي وإنشاء مركز لأبحاث الفضاء لدعم الجامعات الوطنية وتقوية الروابط المحلية والعالمية.

إرادة الشعب توافقت مع إدارة القائد وأديا لحدوث التغيير الكبير.

يقول نابليون "لا توجد كلمة مستحيل إلا في قاموس الضعفاء".

Yos123Omar@