حسين باصي

الاقتصاد من الخطي إلى الدائري

الثلاثاء - 12 نوفمبر 2024

Tue - 12 Nov 2024

في عالم يواجه تحديات بيئية متزايدة، برز مفهوم "الاقتصاد الدائري" كمنارة أمل ونبراس يهدي نحو مستقبل مستدام.

فهو ليس مجرد موضة عابرة أو شعار براق، بل ثورة في طريقة تفكيرنا في الإنتاج والاستهلاك، تحثنا على إعادة تصميم علاقتنا مع الموارد وتغيير نظرتنا إلى النفايات.

تخيل عالما تُدار فيه الموارد بكفاءة عالية، حيث لا وجود لهدر أو نفايات، بل تُستخدم المواد مرارا وتكرارا في دورة مستمرة من إعادة التدوير والتجديد.

هذا هو جوهر الاقتصاد الدائري، الذي يسعى إلى التخلص من النموذج الخطي التقليدي "استخراج، تصنيع، استهلاك، التخلص"، ليحل محله نهج أكثر استدامة يغلق الحلقة ويحافظ على قيمة الموارد لأطول فترة ممكنة.

بحسب مجموعة بنوك الاستثمار الأوروبي، فإن تطبيق استراتيجيات الاقتصاد الدائري في خمسة مجالات رئيسية (الأسمنت، الألمنيوم، الصلب، البلاستيك، والغذاء) يمكن أن يلغي ما يقرب من نصف الانبعاثات الناتجة عن إنتاج السلع - 9.3 مليارات طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون في عام 2050 - وهو ما يعادل خفض الانبعاثات الحالية من جميع وسائل النقل إلى الصفر.

ولكن كيف يمكن تحقيق هذه الرؤية الطموحة؟ يبدأ الأمر بتغيير نظرتنا إلى النفايات.

ففي الاقتصاد الدائري، لا تعتبر النفايات مجرد فضلات نتخلص منها، بل مورد قيم يمكن استغلاله من جديد.

وهذا يتطلب تبني مجموعة من الممارسات، مثل إعادة التدوير، وإعادة الاستخدام، وإعادة التصنيع، وغيرها من الأساليب التي تساهم في الحفاظ على المواد داخل الدورة الاقتصادية.

ولا يقتصر الأمر على إدارة النفايات، بل يشمل أيضا إعادة تصميم المنتجات وإنتاجها بطريقة تسهل إعادة تدويرها أو إعادة استخدامها.

وهذا يتطلب التعاون بين المصممين والمُصنعين لتطوير منتجات قابلة للتفكيك وإعادة التركيب، ومصنوعة من مواد قابلة للتدوير وصديقة للبيئة.

ويمتد الأثر الإيجابي للاقتصاد الدائري إلى ما هو أبعد من الفوائد البيئية، فهو يساهم أيضا في تحقيق النمو الاقتصادي من خلال خلق فرص عمل جديدة في مجالات مثل إعادة التدوير وإعادة التصنيع، وتعزيز الابتكار في مجال التكنولوجيا النظيفة.

كما يساعد في تحقيق الاستقرار الاجتماعي من خلال توفير الوصول إلى الموارد وتحسين مستوى المعيشة.

وعلى الرغم من الفوائد الجمة للاقتصاد الدائري، إلا أن التحول نحو هذا النموذج لا يزال يواجه بعض التحديات، منها على سبيل المثال، الحاجة إلى تطوير البنية التحتية الداعمة لإعادة التدوير وإعادة الاستخدام، وتغيير سلوك المستهلكين لتشجيعهم على تبني ممارسات أكثر استدامة.

ولكن مع تزايد الوعي بأهمية الاستدامة، وتضافر جهود الحكومات والشركات والمجتمع المدني، يمكننا التغلب على هذه التحديات والسير قدما نحو بناء اقتصاد دائري يحقق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.

فالمستقبل المستدام يبدأ من هنا، من خلال إعادة التفكير في طريقة حياتنا وتبني نهج أكثر وعيا ومسؤولية تجاه كوكبنا.

HUSSAINBASSI@