مآوي الرعاية العصرية احتياج إنساني حضاري
الثلاثاء - 12 نوفمبر 2024
Tue - 12 Nov 2024
نشرت موسوعة جينيس للأرقام القياسية وغيرها من الدراسات البحثية الموثقة رصدا تاريخيا عن أكبر المعمرين في القرنين الماضيين، فكانت أكبرهم امرأة فرنسية بلغت 122عاما و164 يوما، من 21 فبراير 1875 حتى 4 أغسطس 1997.
وكان أكبر المُعمرين رجل من اليابان بلغ من العمر 116 عاما و54 يوما من 19 أبريل 1897، إلى 12 يونيو 2013.
وواقعا فإن المعمرين أصبحوا يتكاثرون من حولنا، بأمنيات أعمار تداعب خواطر من لا يستوعبون المتطلبات والتبعات والثمن وقسوة الصراع والضعف أمام الأمراض والأوبئة، وحوادث الكسور، وعيشة أقرب للعذاب منها للسائم، فبعد سن الثمانين يتحول حال الإنسان نقصًا وفقدًا، وحال من يرعاه عناء ومسؤولية، ورعاية نبات موسمي كثرت فطرياته، وبثوره، وضمور أزهاره، وتساقط أوراقه، وتقصف السيقان، والعجز عن استقبال الشمس والاستفادة منها، وكثرة اختلال المسار وجفاف النضرة والقيمة والقدرة.
الحياة المدنية في القرنين الماضيين، وتوفر وتنوع الغذاء، وتمكن الرعاية البدنية والطبية، وسهولة المساعدة اللصيقة، وتطور علوم اللقاحات والأدوية، كانت من أهم أسباب زيادة متوسط عمر الإنسان، والذي لم يكن في القرون قبلها يتجاوز أكثر من الخمسين سنة، جراء فقر وجهل وانعدام وسائل الراحة والتمدن، إلا في أضيق الحدود، وبحالات صحية متردية تتنوع فيها الهموم والعجز العضلي، والصداع والشتات العقلي والضيق النفسي، وظهور علامات الخرف.
من يُعَمِر طويلا، لا يعود يجد رفقاء عشرته القدامى، وحتى لو وجد الأبناء والأحفاد، فهم أجيال وعقول تختلف اهتماماتهم وإمكاناتهم، وقدرة صبرهم ومدى مسؤولياتهم، ووجوده بينهم يظل عبئا وتأدية واجب، قد لا تستدام، ما يستدعي القادرين على اللجوء لدور العجزة كحل عقلاني، لتأمين الرعاية المختصة، والأنشطة الحيوية، ومحاربة السهد والألم وفقدان التوازن، وحوادث السقوط، وتوقف بعض أجهزة الجسد عن العمل.
الشيخوخة متى ما طالت تغدو هما عظيما يحتاج للتفرغ والمتابعة وتوظيف المساعدات الخارجية اللصيقة، ومقاومة حياة معاشرة اليأس، وعناد يتكرر ويتناقص، وندرة سعادة، ومحاولات حثيثة لتأجيل نداء الطبيعة في دورة الجسد البشري.
الموت زائر لا يُطلب، والأعمار تستمر في الاستطالة بين المجتمعات، وبيوت الشباب العصرية الصغيرة وإمكانياتهم لم تعد تحتمل المعمر.
بينما الإصرار يتعاظم بتغذية غير طبيعية، وربط بأجهزة، وزرع أعضاء وخلايا جذعية، وتشبث بحياة سرير الوهن والسقم، ورمادية الفكر، العاجز عن استيعاب بديهيات يدركها الأطفال، ويقابلها المعمر بالحسرات، والاكتفاء بمراقبة بسمات أكثرها من مقدم خدمة طبية أو نفسية، قد لا تستحق عناء الرد.
جسد المُعَمِر يصبح خزانة أدوية ومنشطات، وكل نشاط يتطلب ترياقًا وأكسيرًا، في حياة تيه كيميائية، تنافي الوعي الكامل، وإدراك طبيعة ومتعة التواجد وأغراضه، وسط ساعات ترقب وإصلاح وإعادة ضبط للمعايير، والجرعات، حتى يبلغ المعمر نوما يشابه الموت، وينتظر النهاية، ويتمنى البعد عنها في الوقت نفسه.
أحزن كثيرا كلما شاهدت معمرا، ومهما ناله من حُسن المعاملة، والحنان، والعناية، ونظافة الهيئة بين أهله بصور اجتماعية براقة، وهو يتخبط بحسراته في نهايات دروب الملل.
وعليه، أتمنى من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الإكثار من إنشاء وتهيئة وحدات الرعاية العصرية المتطورة للعجزة والمعمرين في كل مدننا السعودية، وأن تكون مدعومة بالإمكانيات، والتكنولوجيا، وحظية بمن يعملون فيها بمعرفة علمية وبذل وإنسانية.
shaheralnahari@
وكان أكبر المُعمرين رجل من اليابان بلغ من العمر 116 عاما و54 يوما من 19 أبريل 1897، إلى 12 يونيو 2013.
وواقعا فإن المعمرين أصبحوا يتكاثرون من حولنا، بأمنيات أعمار تداعب خواطر من لا يستوعبون المتطلبات والتبعات والثمن وقسوة الصراع والضعف أمام الأمراض والأوبئة، وحوادث الكسور، وعيشة أقرب للعذاب منها للسائم، فبعد سن الثمانين يتحول حال الإنسان نقصًا وفقدًا، وحال من يرعاه عناء ومسؤولية، ورعاية نبات موسمي كثرت فطرياته، وبثوره، وضمور أزهاره، وتساقط أوراقه، وتقصف السيقان، والعجز عن استقبال الشمس والاستفادة منها، وكثرة اختلال المسار وجفاف النضرة والقيمة والقدرة.
الحياة المدنية في القرنين الماضيين، وتوفر وتنوع الغذاء، وتمكن الرعاية البدنية والطبية، وسهولة المساعدة اللصيقة، وتطور علوم اللقاحات والأدوية، كانت من أهم أسباب زيادة متوسط عمر الإنسان، والذي لم يكن في القرون قبلها يتجاوز أكثر من الخمسين سنة، جراء فقر وجهل وانعدام وسائل الراحة والتمدن، إلا في أضيق الحدود، وبحالات صحية متردية تتنوع فيها الهموم والعجز العضلي، والصداع والشتات العقلي والضيق النفسي، وظهور علامات الخرف.
من يُعَمِر طويلا، لا يعود يجد رفقاء عشرته القدامى، وحتى لو وجد الأبناء والأحفاد، فهم أجيال وعقول تختلف اهتماماتهم وإمكاناتهم، وقدرة صبرهم ومدى مسؤولياتهم، ووجوده بينهم يظل عبئا وتأدية واجب، قد لا تستدام، ما يستدعي القادرين على اللجوء لدور العجزة كحل عقلاني، لتأمين الرعاية المختصة، والأنشطة الحيوية، ومحاربة السهد والألم وفقدان التوازن، وحوادث السقوط، وتوقف بعض أجهزة الجسد عن العمل.
الشيخوخة متى ما طالت تغدو هما عظيما يحتاج للتفرغ والمتابعة وتوظيف المساعدات الخارجية اللصيقة، ومقاومة حياة معاشرة اليأس، وعناد يتكرر ويتناقص، وندرة سعادة، ومحاولات حثيثة لتأجيل نداء الطبيعة في دورة الجسد البشري.
الموت زائر لا يُطلب، والأعمار تستمر في الاستطالة بين المجتمعات، وبيوت الشباب العصرية الصغيرة وإمكانياتهم لم تعد تحتمل المعمر.
بينما الإصرار يتعاظم بتغذية غير طبيعية، وربط بأجهزة، وزرع أعضاء وخلايا جذعية، وتشبث بحياة سرير الوهن والسقم، ورمادية الفكر، العاجز عن استيعاب بديهيات يدركها الأطفال، ويقابلها المعمر بالحسرات، والاكتفاء بمراقبة بسمات أكثرها من مقدم خدمة طبية أو نفسية، قد لا تستحق عناء الرد.
جسد المُعَمِر يصبح خزانة أدوية ومنشطات، وكل نشاط يتطلب ترياقًا وأكسيرًا، في حياة تيه كيميائية، تنافي الوعي الكامل، وإدراك طبيعة ومتعة التواجد وأغراضه، وسط ساعات ترقب وإصلاح وإعادة ضبط للمعايير، والجرعات، حتى يبلغ المعمر نوما يشابه الموت، وينتظر النهاية، ويتمنى البعد عنها في الوقت نفسه.
أحزن كثيرا كلما شاهدت معمرا، ومهما ناله من حُسن المعاملة، والحنان، والعناية، ونظافة الهيئة بين أهله بصور اجتماعية براقة، وهو يتخبط بحسراته في نهايات دروب الملل.
وعليه، أتمنى من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية الإكثار من إنشاء وتهيئة وحدات الرعاية العصرية المتطورة للعجزة والمعمرين في كل مدننا السعودية، وأن تكون مدعومة بالإمكانيات، والتكنولوجيا، وحظية بمن يعملون فيها بمعرفة علمية وبذل وإنسانية.
shaheralnahari@