لبنان وخسارة بقرة لكسب دجاجة
الاثنين - 04 نوفمبر 2024
Mon - 04 Nov 2024
رصاصة واحدة تستطيع أن تقلب الدنيا رأسا على عقب. وكلمة واحدة من شأنها خلط الأوراق والحسابات. ودقيقة واحدة كفيلة بخلق حالة حرب، لها أول بلا آخر. وفكرة واحدة تستطيع تسميم أفكار ومنطلقات شريحة كبرى من البشر. وكذبة واحدة يمكنها كتابة تاريخ، وحياة شعوب؛ ورسم حدود دول بأكملها.
في لبنان يتوفر كل ما سبق. الرصاصة والكلمة والوقت والفكرة والكذبة، لذلك تعيش الدولة منذ عقود تحت سقف الخطر. في لبنان تزدحم المدن والقرى والأزقة بالجنرالات. في لبنان حتى صغار السن عبارة عن مشاريع جنرالات حرب. وهذا ناتج عن التشنج السياسي والاجتماعي والمذهبي الذي ترعرت عليه منذ عشرات السنين.
مؤلمة للغاية جراح خرائط تلك الدولة. وموجع لأعلى درجة تسلسل القماشة التاريخية لها أيضا. ومقززة في حقيقة الأمر، حالة الفرقة بين بعض من الطبقة السياسية، التي من المفترض أن تتحلى بدرجات من الحكمة والحنكة.
والحال هناك مخالف للآمال والتوقعات، فقد كُشف الستار عن أن ثلة منهم – أي الطبقة السياسية - امتطى جواده، لكسر عظم الطرف المقابل. وتحول الأمر إلى ساحة معركة مفتوحة. هذا يناحر ذاك. وذاك يحاول التنكيل بالآخر.
ولا غرابة بأن يصاب المرء بنوع من التشاؤم والإحباط من الواقع اللبناني، فالأسبوع المنصرم كانت بيروت على موعد مع حالة حرب أخرى، غير تلك التي تفتح نيرانها مقاتلات نتنياهو الأحمق.
وباعتبار أن هذا الملف هو الأكثر سخونة حاليا، تسابقت وسائل الإعلام لتقليب صفحاته. ومنحت المساحة لساسة بلا تاريخ ولا خبرة، لادعاء الحرص على الدولة، وأنهم الأجدر بسماع صوتهم السياسي. وليتهم صمتوا بدلا عن الدخول في وحل التقاذف والتخوين. وأمام ذلك بصراحة، لا الكلمة تكفي، ولا الصمت كذلك.
ربما لا يعي أولئك أن هذا التراشق سيكون سببا بمزيد من الفرقة في الشارع اللبناني، نظير حالة التأجيج من قبلهم، تحت ذريعة ممارسة السياسة والحزبية، بينما الدولة الإنسان في آخر الاهتمامات.
في حقيقة الأمر، انطلاقا من متابعتي الدقيقة منذ سنوات، لقضايا لبنان لطبيعة عملي كصحفي سياسي، أجد أن الوحيد الذي كان حديثه ذا جدوى، هو الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية. وهذا رأيي الشخصي الذي يمكن أن يكون خطأ لا يحتمل الصواب، وقد يكون صوابا لا يتحمل الخطأ.
لماذا.؟ لأن الحكيم هو الوحيد من بين تلك الطغمة، الذي تخلى عن لغة الأنا والنرجسية الشخصية. ذلك أولا. ثانيا: كون الرجل جرد نفسه من طموحاته في بلوغ سدة الرئاسة، على حساب شخص توافقي تجمع عليه الآراء اللبنانية، على رغم أنه يملك القاعدة المسيحية التي تخوله بلوغ قصر بعبدا.
بالمناسبة فقد تنازل لميشال عون الذي استمات لبلوغ الرئاسة، ودفع لبنان إلى المجهول، نظير تحالفاته مع حزب الله، التي نقلها من حزبه "التيار الوطني الحر"، إلى القصر. ثالثا: لأنه قرأ المشهد قبل حدوثه، ولطالما حذر من توريط الدولة بسلاح حزب الله، الذي كان يصفه بدويلة داخل الدولة.
أتصور أن عددا من ساسة لبنان نسفوا مفهوم أن أي حالة حرب أو مواجهة مع طرف مسلح حتى أسنانه كإسرائيل، تستدعي رص الصفوف، والتماسك السياسي والاجتماعي، واختاروا تبادل القصف بصواريخ الإعلام فيما بينهم، وأدخلوا أفكار التقارب، لأنفاق الظلام، وكرسوا لفصل خادع من التاريخ اللبناني، ستذكره الأجيال القادمة وتمقته بلا تردد.
قد يرى أحدا أن ذلك طبيعي لدولة بلا رأس. هذا منطقي. إنما في المقابل ذلك يمكن استغلاله، لمزيد من اللحمة لا الفرقة والتشظي.
ومن جانب آخر، كون لبنان بلا رأس ليس بجديد. كيف؟ فالثنائي الشيعي "حزب الله وحركة أمل" يملكان مفاتيح تنصيب الرئيس، لذلك مارس الطرفان تعطيل الاستحقاق الرئاسي، بموجب أوامر قادمة من خارج الحدود.
ما السبب؟ خشية أن يأتي شخص يرفض فكرة المقاومة والسلاح السائب كجعجع، أو سامي الجميل زعيم حزب الكتائب اللبنانية – وهما الطرفان المسيحيان اللذان يملكان الحظ الأوفر في الرئاسة، ويعرف عنهما رفض ذلك المشروع -، وبالتالي يمكن إفشال الخطط المرسومة، لأن تكون الدولة ورقة يديرها أرباب الموت والقتل في المنطقة.
لقد تحولت لبنان لساحة صيد، يستطيع فيها حتى من لا يعرف إدارة البندقية، اصطياد فريسته. وأصبحت مناخا مناسبا لترميم الصورة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، وفرصة ذهبية لإثبات الموساد براعته في الاغتيالات، عقب عقود كانت فيها ميليشيا حزب الله تمارس الدور نفسه.
إن الوقت حان لأن يتفهم بارونات السياسة في لبنان فشلهم السياسي، وألا حل لغسيل عارهم الأخلاقي إلا بمواجهة الظرف التاريخي والوفاء للبلاد والعباد، أو سيكون طريقهم معبدا لمحرقة التاريخ، كأوراق تذكر ولا تشكر.
وإن لم يستوعبوا ذلك سيتقاسموا الظلم والقهر، مع النظام العالمي الأعمى الذي يسمح ليد واحدة بأن تصفع الكل، ويقف صامتا أمام المجازر والمذابح، وأشكال التشريد.
في لبنان هناك من يقف بطابور انتظار الضربة القاضية. وآخر يتطلع لتغيير المعادلات. بينما ترى شريحة أن التوازنات هي الأهم. والتوازنات بنت القوة.
وأنتج المشهد لبناني بريء يعاني من إصابة بلاده بلعنة الدم الغابر. ومن مقامرات خسر فيها الجميع بقرة.. وكسبوا دجاجة.!
في لبنان يتوفر كل ما سبق. الرصاصة والكلمة والوقت والفكرة والكذبة، لذلك تعيش الدولة منذ عقود تحت سقف الخطر. في لبنان تزدحم المدن والقرى والأزقة بالجنرالات. في لبنان حتى صغار السن عبارة عن مشاريع جنرالات حرب. وهذا ناتج عن التشنج السياسي والاجتماعي والمذهبي الذي ترعرت عليه منذ عشرات السنين.
مؤلمة للغاية جراح خرائط تلك الدولة. وموجع لأعلى درجة تسلسل القماشة التاريخية لها أيضا. ومقززة في حقيقة الأمر، حالة الفرقة بين بعض من الطبقة السياسية، التي من المفترض أن تتحلى بدرجات من الحكمة والحنكة.
والحال هناك مخالف للآمال والتوقعات، فقد كُشف الستار عن أن ثلة منهم – أي الطبقة السياسية - امتطى جواده، لكسر عظم الطرف المقابل. وتحول الأمر إلى ساحة معركة مفتوحة. هذا يناحر ذاك. وذاك يحاول التنكيل بالآخر.
ولا غرابة بأن يصاب المرء بنوع من التشاؤم والإحباط من الواقع اللبناني، فالأسبوع المنصرم كانت بيروت على موعد مع حالة حرب أخرى، غير تلك التي تفتح نيرانها مقاتلات نتنياهو الأحمق.
وباعتبار أن هذا الملف هو الأكثر سخونة حاليا، تسابقت وسائل الإعلام لتقليب صفحاته. ومنحت المساحة لساسة بلا تاريخ ولا خبرة، لادعاء الحرص على الدولة، وأنهم الأجدر بسماع صوتهم السياسي. وليتهم صمتوا بدلا عن الدخول في وحل التقاذف والتخوين. وأمام ذلك بصراحة، لا الكلمة تكفي، ولا الصمت كذلك.
ربما لا يعي أولئك أن هذا التراشق سيكون سببا بمزيد من الفرقة في الشارع اللبناني، نظير حالة التأجيج من قبلهم، تحت ذريعة ممارسة السياسة والحزبية، بينما الدولة الإنسان في آخر الاهتمامات.
في حقيقة الأمر، انطلاقا من متابعتي الدقيقة منذ سنوات، لقضايا لبنان لطبيعة عملي كصحفي سياسي، أجد أن الوحيد الذي كان حديثه ذا جدوى، هو الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية. وهذا رأيي الشخصي الذي يمكن أن يكون خطأ لا يحتمل الصواب، وقد يكون صوابا لا يتحمل الخطأ.
لماذا.؟ لأن الحكيم هو الوحيد من بين تلك الطغمة، الذي تخلى عن لغة الأنا والنرجسية الشخصية. ذلك أولا. ثانيا: كون الرجل جرد نفسه من طموحاته في بلوغ سدة الرئاسة، على حساب شخص توافقي تجمع عليه الآراء اللبنانية، على رغم أنه يملك القاعدة المسيحية التي تخوله بلوغ قصر بعبدا.
بالمناسبة فقد تنازل لميشال عون الذي استمات لبلوغ الرئاسة، ودفع لبنان إلى المجهول، نظير تحالفاته مع حزب الله، التي نقلها من حزبه "التيار الوطني الحر"، إلى القصر. ثالثا: لأنه قرأ المشهد قبل حدوثه، ولطالما حذر من توريط الدولة بسلاح حزب الله، الذي كان يصفه بدويلة داخل الدولة.
أتصور أن عددا من ساسة لبنان نسفوا مفهوم أن أي حالة حرب أو مواجهة مع طرف مسلح حتى أسنانه كإسرائيل، تستدعي رص الصفوف، والتماسك السياسي والاجتماعي، واختاروا تبادل القصف بصواريخ الإعلام فيما بينهم، وأدخلوا أفكار التقارب، لأنفاق الظلام، وكرسوا لفصل خادع من التاريخ اللبناني، ستذكره الأجيال القادمة وتمقته بلا تردد.
قد يرى أحدا أن ذلك طبيعي لدولة بلا رأس. هذا منطقي. إنما في المقابل ذلك يمكن استغلاله، لمزيد من اللحمة لا الفرقة والتشظي.
ومن جانب آخر، كون لبنان بلا رأس ليس بجديد. كيف؟ فالثنائي الشيعي "حزب الله وحركة أمل" يملكان مفاتيح تنصيب الرئيس، لذلك مارس الطرفان تعطيل الاستحقاق الرئاسي، بموجب أوامر قادمة من خارج الحدود.
ما السبب؟ خشية أن يأتي شخص يرفض فكرة المقاومة والسلاح السائب كجعجع، أو سامي الجميل زعيم حزب الكتائب اللبنانية – وهما الطرفان المسيحيان اللذان يملكان الحظ الأوفر في الرئاسة، ويعرف عنهما رفض ذلك المشروع -، وبالتالي يمكن إفشال الخطط المرسومة، لأن تكون الدولة ورقة يديرها أرباب الموت والقتل في المنطقة.
لقد تحولت لبنان لساحة صيد، يستطيع فيها حتى من لا يعرف إدارة البندقية، اصطياد فريسته. وأصبحت مناخا مناسبا لترميم الصورة العسكرية والسياسية الإسرائيلية، وفرصة ذهبية لإثبات الموساد براعته في الاغتيالات، عقب عقود كانت فيها ميليشيا حزب الله تمارس الدور نفسه.
إن الوقت حان لأن يتفهم بارونات السياسة في لبنان فشلهم السياسي، وألا حل لغسيل عارهم الأخلاقي إلا بمواجهة الظرف التاريخي والوفاء للبلاد والعباد، أو سيكون طريقهم معبدا لمحرقة التاريخ، كأوراق تذكر ولا تشكر.
وإن لم يستوعبوا ذلك سيتقاسموا الظلم والقهر، مع النظام العالمي الأعمى الذي يسمح ليد واحدة بأن تصفع الكل، ويقف صامتا أمام المجازر والمذابح، وأشكال التشريد.
في لبنان هناك من يقف بطابور انتظار الضربة القاضية. وآخر يتطلع لتغيير المعادلات. بينما ترى شريحة أن التوازنات هي الأهم. والتوازنات بنت القوة.
وأنتج المشهد لبناني بريء يعاني من إصابة بلاده بلعنة الدم الغابر. ومن مقامرات خسر فيها الجميع بقرة.. وكسبوا دجاجة.!