عبدالله حسن الزهراني

الوهم والحقيقة في علم الطاقة: هل يخدعنا الجذب؟

الأربعاء - 30 أكتوبر 2024

Wed - 30 Oct 2024

في زحمة الحياة المعاصرة، يتوق الإنسان بطبيعته إلى إيجاد سبل تُجنبه متاعب الطريق وتمنحه حلولا سريعة تُعفيه من مشقة العمل والتخطيط، وهنا يظهر علم الطاقة (المصباح السحري) الذي يُغري كثيرين، واعدا إياهم بتغيير حياتهم دون بذل جهد يُذكر، فالمرء، وفق هذا "العلم"، يحتاج فقط إلى التركيز الذهني ليجذب النجاح، المال، والصحة، ولكن، ما حقيقة هذا الطرح؟ وهل يعتمد فعلا على أي أسس علمية؟

علم الطاقة  يقوم على مفاهيم غامضة وغير قابلة للقياس مثل "الطاقة الكونية" و"قانون الجذب"، يروج مروّجو هذه الأفكار بأن مجرد التفكير الإيجابي قادر على جذب كل ما يتمناه المرء، ولكن، إذا فكرنا بعمق، نجد أن هذه الأفكار تتجاهل حقيقة لا جدال فيها: أن العمل والفعل هما المحركان الأساسيان لأي تغيير حقيقي، فهل يمكن لعقل سليم أن يتصور أن الأفكار وحدها، دون فعل أو جهد، قادرة على جلب النتائج؟ بالطبع لا.

ما يميز العلوم الحقيقية عن هذا النوع من الأفكار هو اعتمادها على المنهج التجريبي، حيث تُختبر الفرضيات ويتثبت صحتها أو عدمها بالدليل الواضح، أما علم الطاقة، فيعتمد على تجارب شخصية واعتقادات لا يمكن قياسها أو التحقق منها علميا، مما يجعله ينتمي إلى العلوم الزائفة التي تروج لادعاءات دون سند علمي موثوق.

الآن، قد يكون من جرب هذه الأفكار أو تأثر بها يشعر ببعض الاستفزاز وهو يقرأ كلماتي، لكن، أطلب منك أن تهدأ قليلا وتمنحني فرصة لشرح نقطة مهمة، هل سمعت من قبل عن تأثير البلاسيبو (Placebo Effect)؟ إذا كانت الإجابة لا، أطلب منك أن تنتبه لما سأقوله الآن.

تأثير البلاسيبو هو ظاهرة مثبتة علميا، تحدث عندما يؤمن الشخص بأن العلاج الذي يتلقاه فعّال، حتى لو كان العلاج وهميا، هذا التفاعل النفسي بين العقل والجسد يؤدي إلى تحسن حقيقي في الحالة الصحية، ليس بسبب العلاج نفسه، بل بسبب قوة الاعتقاد، هذا التأثير يُثبت أن العقل يمكن أن يؤثر على الجسد، ولكن وفق تفاعلات محددة ومدروسة.

وهنا يكمن الفخ الذي يستغله مروّجو علم الطاقة، فهم يعتمدون على هذه العلاقة الدقيقة بين العقل والجسد لترويج أفكار غير مثبتة علميا، ويزعمون أن الطاقة الكونية أو قانون الجذب وغيرها يمكن أن تتحكم في مجرى حياتك بمجرد التفكير، ولكن، دعني أوضح لك الفرق هنا:  بينما يُظهر العلم كيف يؤثر التفكير على الجسد من خلال آليات بيولوجية واضحة  مثل تأثير البلاسيبو أو تنظيم الهرمونات، فإن علم الطاقة يعتمد على مفاهيم غامضة  تفتقر إلى أي دليل علمي يمكن التحقق منه.

وعليه، إن كنت من الذين يؤمنون أو يقدّسون علم الطاقة، فأقول لك بكل انفتاح: إنني لا أرفض أي علم يعود بالنفع على الإنسان ويقوم على أسس علمية راسخة، فإن أثبتت الأبحاث العلمية الموثوقة يوما صحة علم الطاقة، سأكون أول من ينضم إليك في هذا المسعى نحو الحقيقة.

لكن، إن لم يكن هناك إلا ترديد لادعاءات غامضة لا تستند إلى دليل علمي كما هو الحال اليوم، فلا تدع أحدا يخدعك أو يستغل رغبتك في النجاح ليبيعك أوهاما في غلاف جميل، فالحياة تقوم على الفهم الواقعي والبحث عن الحقائق، فلا تركن إلى السهل لأنه مريح، بل ابحث عما يثري عقلك ويمنحك القدرة على فهم العالم من حولك بوضوح.

ختاما، أؤمن بأن هناك عوالم وعلوما لم تكتشف بعد، وأن للتفكير الإيجابي أثرا جليا على الأفعال وتحقيق النتائج، لكن ما لا أستطيع أن أقبله هو وهم القدرة على استحضار ملذات الحياة ونِعَمها وأنت قابع في مكانك دون بذل جهد أو عمل، فالحياة تبنى بالسعي والمثابرة، والتفكير الإيجابي ليس سوى الشرارة الأولى التي يجب أن تليها خطوات واقعية وجهود حقيقية على أرض الواقع.

AbdullahAlhadia@