الحكمة، وأبو العشرين عاما
الثلاثاء - 29 أكتوبر 2024
Tue - 29 Oct 2024
يقول زهير بن أبي سلمى "سئمت تكاليف الحياة ومن يعش ثمانين حولا لا أبا لك يسئم"، بعد ثمانين عاما عشاها وربما عاش أكثر من هذا يقول زهير بن أبي سلمى أخيرا سئمت تكاليف الحياة.. ثم يأتي صاحبنا ذو العشرين ربيعا (لم يتجاوز المراهقة إلا مؤخرا) ليقول لك "أنا وصلت لمرحلة..." ثم يتبعها بتجربة سطحية غير لطيفة، مرحلة ماذا يا بني!
من الملاحظ أن جيل العشرينات صاروا علماء حكماء وفلاسفة بسرعة البرق ويقدمون لنا الحكمة والتجربة، وكل ما يحتاجونه لبث الحكمة السريعة التحضير، منصة الكترونية وخبرة في الإخراج والإبهار والبقية: إما سرقة من نصائح الآخرين أو معلومات غير دقيقة (لاحظ لم أقل خاطئة حتى الآن حفاظا على مشاعرهم التي لم تنضج بعد).
وحتى يلبسوا أنفسهم لباس الحكمة والعقل ولمزيد من إضافة عدد من السنوات لعمرهم القصير، فإنهم يرخون لحاهم ظنا منهم أنها مصدر الحكمة وما هي إلا سنوات حتى تقصر وتختفي، إذن كانت من لوازم العمل والحكمة حتى تظنه كبيرا ناضجا، أما إذا استعرض لك كتابا أو حدثا تاريخيا فهو نسخ واضح من أحد المنصات التي تتيح محتوى طويلا، وكل ما عليه اختصاره وتقبل كل ما فيه بلا تدقيق.
لا شك أنهم مبهرون، لأن أي شخص يمتلك مهارة ما، ومنها أن "صناع المحتوى الهجين"، قادر على أن يبهرك في خمس دقائق، حتى لو تطلّب الأمر خمسين اقتباسا وخلطهم معا. لكن المختصين؟ آه، المختصون يعرفون كيف يكتشفون الفضائح: معلومة غير دقيقة هنا، أو كلمة مغلوطة تُفضح بنطقها.
وإذا أردت أن ترى الحكاية كلها، لاحظ فقط حالة "اللا توازن" في الأحكام التي يطلقونها، والميول الواضحة كأنها بوصلة مشوشة؛ تلك علامات التجربة المحدودة تلوح في الأفق.
وبعضهم يُصرّ على أنه عميق، لكن في موضوع واحد، يغرق فيه بالقراءة والبحث والاستماع، ثم يقول لك "أنا أرى.." يا عزيزي (لم أقل يا صغيري) هذه الكلمة عند الكبار "كبيرة" لا يقولها إلا من قال: أنا أرى؛ فقلنا له "الرأي ما تراه" لكن هذا الشاب ينسى أن الحياة ليست قطعة واحدة، بل فسيفساء متشابكة من العلم والحكمة والتأمل والتفكير، فتراه يتكئ بكل ثقله على معرفته الضيقة ويترك ما لا يعرف بعيدا، وكأن كل شيء يجب أن يدور حوله وحده!
وتراه قليل الإنصات سريع التصحيح للآخرين ومقاطعتهم في حديثهم، يحب التصدّر في المجالس في حضور الكبار (لا تستعجل يا ولدي، كنت معجبا فيك قبل أن تنطق، فلما تكلمت رأيتك صغيرا)، الشيء المخيف الذي يجب أن يخشاه الفتى العشريني أن يستمع إليه أحد الكبار فيقول عن هرطقته "آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه" وعصاه أحيانا!
عزيزي الشاب العشريني: يفوت كبار السن المستحدثات الجديدة، وقد تفوتهم التقنية، ويخونهم الجهد أحيانا لكن لا شيء يعدل الخبرة، ولا يشيء يساوي الفعل التراكمي والممارسة الطويلة، ولا شيء مثل النظرة الكلية للأمور، وهذه لا تحصل من خلال وعي مقداره عشر سنوات فحسب، وإنما يأتي مع السنوات الطوال، والعاقل من كبار السن لا بد أن يدمج خبرته بنشاط الشباب وحيويتهم، ويتفهم حماسهم ويندفع قليلا معهم فهم عماد التغيير، والذي لا شك فيه أيضا أن على الشباب أن يحفظ قدر الكبار سنا وقدرا، وأن يتريثوا في الظهور وتقديم الحكمة وأن يخلطوا نشاطهم بالاستعانة بحكمة الكبار إن أرادوا أن يكونوا كبارا مثلهم والتوازن سر الأشياء!
بقي شيئان، ثمة شباب في سن العشرين في لطف وأدب جم، عقولهم مفتوحة للحوار، يقاسمون الكبار الشغف، ولا ينافسونهم في التصدّر، بل يقدرون لهم خبرتهم ويحفظون لأنفسهم ثورة الشباب، الآخر: لم أتكلم عن ذي الثلاثين خريفا لأنه متعب أكثر!
Halemalbaarrak@
من الملاحظ أن جيل العشرينات صاروا علماء حكماء وفلاسفة بسرعة البرق ويقدمون لنا الحكمة والتجربة، وكل ما يحتاجونه لبث الحكمة السريعة التحضير، منصة الكترونية وخبرة في الإخراج والإبهار والبقية: إما سرقة من نصائح الآخرين أو معلومات غير دقيقة (لاحظ لم أقل خاطئة حتى الآن حفاظا على مشاعرهم التي لم تنضج بعد).
وحتى يلبسوا أنفسهم لباس الحكمة والعقل ولمزيد من إضافة عدد من السنوات لعمرهم القصير، فإنهم يرخون لحاهم ظنا منهم أنها مصدر الحكمة وما هي إلا سنوات حتى تقصر وتختفي، إذن كانت من لوازم العمل والحكمة حتى تظنه كبيرا ناضجا، أما إذا استعرض لك كتابا أو حدثا تاريخيا فهو نسخ واضح من أحد المنصات التي تتيح محتوى طويلا، وكل ما عليه اختصاره وتقبل كل ما فيه بلا تدقيق.
لا شك أنهم مبهرون، لأن أي شخص يمتلك مهارة ما، ومنها أن "صناع المحتوى الهجين"، قادر على أن يبهرك في خمس دقائق، حتى لو تطلّب الأمر خمسين اقتباسا وخلطهم معا. لكن المختصين؟ آه، المختصون يعرفون كيف يكتشفون الفضائح: معلومة غير دقيقة هنا، أو كلمة مغلوطة تُفضح بنطقها.
وإذا أردت أن ترى الحكاية كلها، لاحظ فقط حالة "اللا توازن" في الأحكام التي يطلقونها، والميول الواضحة كأنها بوصلة مشوشة؛ تلك علامات التجربة المحدودة تلوح في الأفق.
وبعضهم يُصرّ على أنه عميق، لكن في موضوع واحد، يغرق فيه بالقراءة والبحث والاستماع، ثم يقول لك "أنا أرى.." يا عزيزي (لم أقل يا صغيري) هذه الكلمة عند الكبار "كبيرة" لا يقولها إلا من قال: أنا أرى؛ فقلنا له "الرأي ما تراه" لكن هذا الشاب ينسى أن الحياة ليست قطعة واحدة، بل فسيفساء متشابكة من العلم والحكمة والتأمل والتفكير، فتراه يتكئ بكل ثقله على معرفته الضيقة ويترك ما لا يعرف بعيدا، وكأن كل شيء يجب أن يدور حوله وحده!
وتراه قليل الإنصات سريع التصحيح للآخرين ومقاطعتهم في حديثهم، يحب التصدّر في المجالس في حضور الكبار (لا تستعجل يا ولدي، كنت معجبا فيك قبل أن تنطق، فلما تكلمت رأيتك صغيرا)، الشيء المخيف الذي يجب أن يخشاه الفتى العشريني أن يستمع إليه أحد الكبار فيقول عن هرطقته "آن لأبي حنيفة أن يمد رجليه" وعصاه أحيانا!
عزيزي الشاب العشريني: يفوت كبار السن المستحدثات الجديدة، وقد تفوتهم التقنية، ويخونهم الجهد أحيانا لكن لا شيء يعدل الخبرة، ولا يشيء يساوي الفعل التراكمي والممارسة الطويلة، ولا شيء مثل النظرة الكلية للأمور، وهذه لا تحصل من خلال وعي مقداره عشر سنوات فحسب، وإنما يأتي مع السنوات الطوال، والعاقل من كبار السن لا بد أن يدمج خبرته بنشاط الشباب وحيويتهم، ويتفهم حماسهم ويندفع قليلا معهم فهم عماد التغيير، والذي لا شك فيه أيضا أن على الشباب أن يحفظ قدر الكبار سنا وقدرا، وأن يتريثوا في الظهور وتقديم الحكمة وأن يخلطوا نشاطهم بالاستعانة بحكمة الكبار إن أرادوا أن يكونوا كبارا مثلهم والتوازن سر الأشياء!
بقي شيئان، ثمة شباب في سن العشرين في لطف وأدب جم، عقولهم مفتوحة للحوار، يقاسمون الكبار الشغف، ولا ينافسونهم في التصدّر، بل يقدرون لهم خبرتهم ويحفظون لأنفسهم ثورة الشباب، الآخر: لم أتكلم عن ذي الثلاثين خريفا لأنه متعب أكثر!
Halemalbaarrak@