حجاز مصلح

الروبوتات قادمة إلى المطبخ - ماذا قد يعني ذلك للمجتمع والثقافة؟

الاثنين - 28 أكتوبر 2024

Mon - 28 Oct 2024

لم تدخل المطابخ الآلية قائمة الأشياء التي يجب أن تمتلكها ربات البيوت بعد، ولكنها بدأت تكتسب شعبية في المطاعم حول العالم.

ففي ديسمبر 2022 افتتحت شركة ماكدونالدز للوجبات السريعة أول فرع آلي بالكامل لها في فورت وورث بولاية تكساس الأمريكية، والذي يتم تشغيله بالكامل بواسطة الآلات.

ويستخدم الفرع تكنولوجيا متقدمة للعمل بأقصى قدر من الكفاءة.

ويستطيع العملاء تقديم طلباتهم بكل سهولة من خلال التفاعل مع شاشة كبيرة تعرض العناصر الموجودة في القائمة، مثل طلب الطعام عبر تطبيق جوال والدفع على الفور.

والخطوة التالية هي استلام الوجبة من خلال حزام ناقل ميكانيكي تنزلق من خلاله الطلبات وفقا لذلك.

لم تعد المطابخ الآلية مجرد رؤى من الخيال العلمي في الأفلام والمسلسلات، فالطهاة الروبوتيون ومساعدو المطبخ الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي كانوا في ازدياد في العقد الأخير.

حيث تُستخدم الروبوتات لتقليب البرجر وقلي الدجاج وصنع البيتزا وصنع السوشي وإعداد السلطات وعجن الخبز وخلط العصيرات والتقديم، وغير ذلك الكثير.

إن أتمتة الغذاء تختلف عن أتمتة أي شيء آخر، فالغذاء يشكل عنصرا أساسيا في الحياة - فهو يغذي الجسد والروح - لذا فإن كيفية الحصول عليه وإعداده واستهلاكه قد تحدث تغيرا في المجتمعات بشكل جذري.

فهل يمكن لتكنولوجيا الغذاء أن تحدث فعلا تغييرا في المجتمع؟
نعم، فبمجرد التفكير فقط في التأثير الذي أحدثه فرن الميكروويف والذي بفضله أصبح من الممكن إعداد وجبة سريعة لشخص واحد فقط، وهو ما قد يكون مفيدا ولكنه قد يكون أيضا له تأثير في المجتمع.

فمن الواضح أن هذه الراحة قد تحول تناول الطعام من حدث جماعي وثقافي وإبداعي إلى فعل نفعي للبقاء على قيد الحياة - تغيير العلاقات والتقاليد وطريقة عمل الناس وفن الطبخ وغير ذلك من جوانب الحياة لملايين البشر.

إن الراحة قد تكون مكلفة للغاية، لذا فمن الأهمية بمكان أن ننظر إلى المستقبل وإلى الاضطرابات الأخلاقية والاجتماعية المحتملة التي قد تجلبها التقنيات الناشئة، وخاصة في مجال إنساني وثقافي عميق - الغذاء - والذي يتشابك في جميع أنحاء الحياة اليومية.

صحيح أن لمطابخ الذكاء الاصطناعي العديد من الفوائد، كالتخلص من المهام المتكررة والمملة، مثل تقشير البطاطس على سبيل المثال، وتوفير الجهد والوقت مما يؤدي إلى القدرة على قضاء المزيد من الوقت مع العائلة أو التركيز وإنجاز مهام وأعمال أكثر، ولكن هناك أيضا مخاطر تحيط بذلك. فالطبخ قد يكون علاجا ويوفر فرصا للعديد من الأشياء: الامتنان، التعلم، الإبداع، التواصل، المغامرة، التعبير عن الذات، النمو، الاستقلال، الثقة، وغير ذلك الكثير، وكلها قد تضيع إذا لم يكن أحد بحاجة إلى الطهي.

وقد تتأثر العلاقات الأسرية إذا لم يعد الآباء والأبناء يعملون جنبا إلى جنب في المطبخ - وهو مكان آمن للدردشة أثناء الطهي، على النقيض مما قد يبدو وكأنه استجواب على طاولة الطعام.

علاوة على ذلك، فإن المطبخ أيضا هو مختبر العلوم في المنزل، لذا قد يتأثر تعليم العلوم.

حيث تتضمن كيمياء الطهي تعليم الأطفال وغيرهم من المتعلمين عن علم الأحياء الدقيقة والفيزياء والكيمياء وعلوم المواد والرياضيات وتقنيات وأدوات الطهي ومكونات الطعام ومصادرها والصحة البشرية وحل المشكلات.

إن عدم الاضطرار إلى الطهي يمكن أن يؤدي إلى تآكل هذه المهارات والمعرفة.

يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في التجريب والإبداع، مثل ابتكار عروض طعام متقنة ووصفات جديدة ضمن روح ثقافة معينة.

وكما تساعد تقنيات الذكاء الاصطناعي والروبوتات في توليد المعرفة العلمية الجديدة، فإنها يمكن أن تزيد من فهم خصائص مكونات الطعام وتفاعلاتها وتقنيات الطهي، بما في ذلك الأساليب الجديدة.

ولكن هناك مخاطر تهدد الثقافة السائدة. فعلى سبيل المثال قد يفسد الذكاء الاصطناعي الوصفات والأساليب التقليدية والتراثية، لأن الذكاء الاصطناعي عرضة للنمطية وتسطيح أو تبسيط التفاصيل والتمييزات الثقافية.

وقد يؤدي هذا التحيز في الاختيار إلى تقليل التنوع في أنواع المأكولات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي وطهاة الروبوتات.

وقد يصبح مطورو التكنولوجيا حراسا للابتكار الغذائي، إذا أدت حدود آلاتهم إلى التجانس في المأكولات والإبداع، على غرار الشعور الغريب المتشابه لصور فن الذكاء الاصطناعي عبر التطبيقات المختلفة.

إن فكرة وجود روبوت مدعم بالتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي يتمتع بالتحكم الكامل والاستقلالية اللازمة لصنع أي طبق معروف هي فكرة رائعة ومثيرة للقلق في الوقت نفسه.

يجب أن نعترف بالتراث الطهوي الغني الذي ينتقل من جيل إلى جيل، وهو إرث يجسد الفن. لقد نشأت بعض أهم الإبداعات الطهوية وأكثرها تأثيرا من خلال قدرة أولئك الذين تحملوا المجاعات والحروب وغير ذلك، مما أدى إلى ظهور أطباق رائعة ومؤثرة.

أخيرا، وكما ساهمت التكنولوجيا تاريخيا في تقدم المجتمعات وتحسين حياة البشر، فإن الذكاء الاصطناعي والروبوتات لديها القدرة على الارتقاء بتجاربنا في تذوق الطعام.

والقرار النهائي يقع على عاتقنا، إلى أي مدى نحن على استعداد لاحتضان هذه التطورات التكنولوجية في سعينا إلى توفير أفضل تجارب تناول الطعام الممكنة؟

hijazmusleh@