أحمد بني قيس

التطور التقني يهدد التماسك الأسري

الخميس - 24 أكتوبر 2024

Thu - 24 Oct 2024

التطور الإيجابي في أي مجال لا يأتيك إلا بالخير إن أنت أحسنت التعامل معه، وينطبق هذا القول على التقدم الهائل في مجال التكنولوجيا الذي أفسح المجال لظهور ما تم التعارف على تسميته بالأجهزة الذكية التي كان لقدومها النصيب الأكبر من شغل أوقاتنا وشحن أفكارنا.

وكما أن هذا التطور أنتج منافع جمّة إلا أنه أنتج أيضا مخاطر حقيقية تهدد الكثير من مصالحنا، والتي أهمها الترابط الأسري وتماسك أواصره، وهذا التهديد يشير لوجوده حالان.

الحال الأول ضعف التواصل المباشر بين أفراد العائلة نتيجة قضاء أفرادها فترات طويلة، وخاصة الأطفال والمراهقين على هذه الأجهزة الذكية، وهذا حال قد يوصلهم للإصابة بدرجة من درجات الإدمان نتيجة انعزال الكثير منهم عن محيطهم الأسري وقلّة تفاعلهم معه وإهمالهم الملحوظ للتواصل مع أفراده وجها لوجه.

والحال الآخر تأثر الكثير من أبنائنا وبناتنا ممن يحرصون على متابعة ما تنشره شريحة ما يُسمى بالمشاهير وطبيعة الحياة التي يوهم أكثرهم متابعيه بأنه يعيشها ويصورها زورا على أنها حياة مثالية لا تشوبها شائبة، يجعل الكثير من هؤلاء المتابعين من صغار السن والتجربة يعيشون حالة نفسية ترفض نمط معيشتهم وطبيعة مناشطها ويحلمون بأن يعيشون حياة مشابهة للحياة التي ينشرها هؤلاء المشاهير ويزعمون أنهم من أهلها.

ورغم هذه السوداوية إلا أن هنالك عدة حلول بإمكانها منحنا القدرة على تبديد هذه السوداوية والتخلص منها، أول هذه الحلول العمل على تخصيص فترة زمنية تُمارس فيها نشاطات عائلية مشتركة، أبسطها تناول الغذاء بشكل جماعي والخروج في نزهات جماعية تعمل على تغيير نمط حياة العائلة ونشاطاتها، وتدخل نوعا من البهجة والسرور عليها، وتجعل استمرار هذه النشاطات أمرا محببا ومُرحّبا به.

ثاني هذه الحلول تخصيص وقت محدد لاستخدام الأجهزة الذكية، خاصة عند شريحة الأطفال والمراهقين، واستغلال الوقت المتبقي في تخصيص جلسات حوارية معهم يتم فيها توعيتهم بمخاطر سوء استخدام هذه الأجهزة من خلال إظهار شواهد ووقائع وتجارب حقيقية تؤكد ذلك.

وآخر هذه الحلول تفعيل آلية المراقبة والمتابعة خوفا أن يؤدي غيابها التام إلى وقوع الأبناء والبنات في مخالفات سلوكية أو فكرية أو أخلاقية عواقبها بلا شك في غاية السوء، شريطة أن يتم ذلك دون الإضرار بحقهم في امتلاك مساحة من الخصوصية تحفظ لهم الشعور بالاستقلالية المنضبطة وتؤكد لهم بأنهم محل ثقة وبعيدون عن أي شك.

ختاما، إن زمن التطور التقني بقدر ما أراحنا وأزال عن كاهلنا الكثير من الأعباء والمتاعب وسهّل علينا الكثير من المعاملات الرسمية وغير الرسمية، إلا أنه في المقابل أوجد مخاطر يجب عدم تجاهلها وإهمالها بل أصبح الاستعداد لها أمرا في غاية الضرورة حتى نتمكن من مقاومتها وإحباطها حال اقترابها منا كأُسر أو كمجتمع.