خالد العويجان

قطف الرؤوس وشتاء الغضب

الخميس - 24 أكتوبر 2024

Thu - 24 Oct 2024

العناوين القادمة من الشرق مسمومة. الدم والقتل والتشريد سيد المشهد، منذ أكثر من عام هذا هو قدر المنطقة. عقود من الزمن مرت عليها، لا صوت فيها يفوق هدير المقاتلات وجنازير الدبابات.

والخلاصة، الثعبان الكبير لطالما وجد ضالته في الصغير، الذي بالضرورة أن يتم التهامه.

ليل الأربعاء ما قبل الماضي، قتلت فرقة من الجيش الإسرائيلي يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، ومهندس هجوم أكتوبر، الذي قلب الموازين رأسا على عقب، وفتح فوهة حرب على شعب أعزل، مع دولة تقوم على الشر وعدم الاكتراث بما يمكن قتله من المدنيين.

ربما لم يكن هذا الخبر مفاجئا للبعض، باعتبار أن الرجل على قوائم التصفيات الإسرائيلية. بل إنه منتظر، بعد قتل زعيم ميليشيات حزب الله حسن نصر الله، قبل أسابيع في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو الذي كان ضمن القائمة.

من الواضح أن تل أبيب أدخلت تكتيك تنظيف السلم من الأعلى للأسفل حيز التنفيذ. وهذا ينجلي من عمليات قنص القيادات في حزب الله اللبناني، وحركة حماس.

فالوعود القادمة من هناك تشي بتصميم إسرائيلي على تدمير كل أذرعة إيران، من جماعات مسلحة، في لبنان وقطاع غزة، وسوريا، وقادم الأيام في العراق واليمن.

والعمليات الناجحة في تصفية القيادات تمنح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مزيدا من نشوة الانتصار والتأييد الشعبي، الأمر الذي يدفعه إلى الأمام لتحقيق ذلك الهدف.

والقوة النارية الإسرائيلية لن تتراجع عما أوغلت فيه مهما كلف الأمر.

وذلك يدخل في حسابات معالجة جرح أكتوبر وما يسمى بطوفان الأقصى.

وهذا ما يجب استيعابه، حتى وإن كان يشبه العلقم لبعض المؤيدين.

والحرب المستعرة بحاجة إلى تشريح المشهد العام لحزب الله وحركة حماس، من خلال الفرق في الحالة السياسية والعسكرية بينهما، كيف؟ حزب الله محاط إلى حد ما بما يشبه الدولة، من أحزاب وطوائف.

صحيح أن دورها خشبي، لكنها تستطيع تكوين حالة من الحراك، بعيدا عن كونه لا يقدم ولا يؤخر في الحياة السياسية في لبنان.

ما الدليل على ذلك القول؟ اللقاء الذي شهدته بكركي اللبنانية، التي تحتضن البطريركية المارونية، الأربعاء الماضي، فقد دعا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الزعماء الروحيين في لبنان، للتباحث في إيجاد صيغة لإخراج لبنان من المأزق الذي يعيشه.

وخرج اللقاء ببيان، لم يأتِ على ذكر حزب الله ولا سلاحه السائب، هذا أولا.

ثانيا: جاء في البيان الدعوة لضرورة تكوين المؤسسات الدستورية، وانتخاب رئيس للجمهورية، يحظى بثقة الجميع، وهذا برأيي يستحيل.

ثالثا: لا يكفي قول تغليب المصلحة الوطنية، وتجاوز المصالح الخارجية، كان يجدر أن يتم تسمية الأمور بتسمياتها، ومطالبة حزب الله بالتوقف عن استغلال البلاد والعباد لتحقيق مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية بكل وضوح.

ما يهمني هو المطالبة بتمسك الأطراف بمبادرة السلام العربية التي قدمتها بلادي المملكة العربية السعودية في قمة بيروت عام 2002، والتي تفضي إلى حل الدولتين، وتعايش الجانب الفلسطيني والإسرائيلي جنبا إلى جنب.

وحتى إن لم يأتِ ذكر المملكة، فهي لا تحتاج لذلك، فالتاريخ يملك وثائقه، بلا تحيز أو جحود وتمييز.

وبموازاة ذلك – أقصد حال حزب الله -، بالنظر لحركة حماس، فهي وحيدة دون تكتلات وأحزاب سياسية مؤيدة لها في الداخل، بل إن حتى اعتمادها على الحاضنة الشعبية التي بدأت بالتقهقر، لم يعد كما في السابق، جراء حجم الدمار الذي لحق بالقطاع.

إذن المحصلة تؤكد الفرق بين الذراعين الإيرانيتين. الأول في موقع يكتنفه بعض الأساليب السياسية.

أما الثاني كما أسلفت، لا يملك من الدعم سوى الصوت القادم من الخارج، ومن دول تساند الحركة لأسباب أيديولوجية إخوانية.

أعود لفكرة النار المتصاعدة في المنطقة، وأقول "لقد عمدت أطراف أذكى من أخرى، لاستغلال الظرف والمناخ السياسي، للزج بأنفها في قضايا ليس لها فيها ناقة أو جمل، ووجدت ما يمكن أن يسمى بالمطايا، التي سعت منذ عقود لتحقيق مصالح البعيد، وممارسة الكراهية مع القريب".

وأقصد أن حزب الله وحركة حماس قاما بالتماشي مع أجندات إيران، استنادا على الأحقاد التاريخية، وليس لتحرير القدس والأراضي المحتلة.

والسؤال البديهي؛ كيف لإيران التي تتشدق في وضع يدها على أربع عواصم عربية "بغداد، وبيروت ودمشق وصنعاء"، أن تستميت لخلاص بقعة عربية من قبضة محتل، وهي تمارس الدور نفسه؟ الجواب: بناء على اقتناع تلك الميليشيات، بكراهية المحيط، وهي الصفة التي لا تولد مع الإنسان بل تكتسب.

فالطبيعي ألا يولد إنسان في قلبه ضغينة تجاه آخر، إلا في قواميس المماليك الغابرة.

أتصور أن منطقتنا لا تملك المساحة للابتسامات الملائكية والأفكار الوديعة، كونها تحولت بيئة للجماعات الشيطانية، التي تسببت بسيول من العنف والدماء، عبر التكريس لمفهوم، أقتل الممسوك، يتربى السائب.

إن حالة الإنكار المضحكة في تفاصيل السياسة ودهاليزها داخل بعض الخرائط المحيطة، وادعاء البطولات، أصبحت خدعا واضحة، ومنبوذة حتى من أطراف كانت مؤيدة لمشاريع المحرقة، التي تنتهجها تلك الميليشيات الغارقة في بحور التيه، وإغراء المال السياسي، وأفكار ومنهجية التطرف القادمة من بعيد.

فالإرهاب المتدثر بالسياسة لم يعد ذا جدوى لمجتمعات أصابها الملل من الارتهان لشعارات رنانة.

فقد أنتجت كثيرا من زيف الحقيقة، لقليل من المصدقين. وأيقن الجميع أن العنتريات لم ولن تغير من الواقع قيد أنملة.

بل إنها لفتت الانتباه لحروب خاسرة، بمقذوفات الحديد والنار. فلم تعد القواعد الشعبية عابرة سبيل مجهولة الهوية، عقب انكشاف المشاريع المؤدية للموت.

أخيرا؛ واقتنعت بكثير من الحكايا.. أهمها.. رواية قطف الرؤوس؛ وشتاء الغضب.