بسمة السيوفي

النساء في الأماكن

الأربعاء - 16 أكتوبر 2024

Wed - 16 Oct 2024

شهدت المملكة العربية السعودية خلال السنوات الأخيرة تحولات اجتماعية كبرى، قادتها إصلاحات رؤية 2030، التي لم تكن مجرد خطة اقتصادية أو تنموية، بل كانت نقطة انطلاق لتغيير شامل في هيكل المجتمع السعودي، أحد أبرز ملامحه توسيع نطاق مشاركة المرأة.. والانفتاح الاجتماعي الذي رافق هذه الإصلاحات.. حيث أتيحت للسعوديات فرص لم تكن متاحة من قبل، وأعيدت صياغة دور المرأة في شتى مجالات الحياة.

لم تعد المرأة اليوم مجرد طرف في النقاش، بل باتت فاعلا أساسيا ومؤثرا في الاقتصاد، الثقافة، والرياضة، بعد أن كانت مقيدة بقيود اجتماعية فرضت عليها التهميش لعقود.

قرار السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة عام 2018 لم يكن مجرد تغيير في التشريعات، بل كان لحظة تاريخية أعادت رسم ملامح الحضور النسائي في الحياة العامة، بشكل جذب أنظار العالم. هذه القيود التي كانت تعكس واقعا مجتمعيا يحد من حق النساء في التواجد والمشاركة، ساهمت في ترسيخ الفصل بين الجنسين. ومع تخفيف تلك القيود بدأت المرأة تستعيد موقعها الطبيعي، لتساهم في تقليص الفجوة التي أضعفت الحراك المجتمعي، وأعادت التوازن إلى نسيج المجتمع ككل.

أما عن تواجد المرأة في الملاعب، فقد شهدت المملكة أيضا في العام نفسه أول مباراة كرة قدم يحضرها النساء في الرياض وجدة والدمام. وبعدها ارتفع عدد النساء اللواتي حضرن المباريات بنسبة 15% في العام الأول بعد تنفيذ القرار، مما دلل على الاهتمام الكبير الذي أبدته النساء تجاه هذه الأنشطة سواء في المشاركة أو حتى المشاهدة. هذا التغيير لم يكن مجرد خطوة رمزية، بل كان دليلا واضحا على الحماس المتزايد لدى النساء للمشاركة الفاعلة في الأنشطة الرياضية والمجتمعية، سواء كمشجعات أو كمشاركات في الحراك الاجتماعي الجديد.

ما أريد تناوله في هذا المقال هو وجود النساء في الأماكن.. في البيت والشارع والمكتب.. في النادي والشركة والملعب.. في المدرجات والفعاليات والمناسبات.. في أنها الأم والأخت والزوجة والابنة.. في أنها تلد نصف المجتمع وتربي النصف الآخر.. لأقول إنها تعيش اليوم مرحلة انتقالية أعادت تشكيل دورها في المجتمع، بشكل سيؤثر عميقا على الأجيال القادمة.. وسيحدد العلاقة بين الجنسين في المجال العام.

تواجد المرأة في المجالات الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والسياسية يعزز تكامل المجتمع وتوازنه. مشاركتها تضفي تنوعا يثري الابتكار ويحقق العدالة، ولا شك أن النساء يدفعن ضريبة هذا التواجد.. فالمرأة تخضع لما يسمى بضغط الأدوار المتعددة حين تعمل خارج المنزل.. لأنها قد تواجه ضغوطا ناتجة عن الجمع بين الالتزامات الأسرية والمهنية.. وقد تواجه بعض الممارسات غير المقبولة في أماكن العمل أو الفضاءات العامة.. مثل التحرش أو المضايقات، مما يخلق بيئة غير آمنة للعمل والإبداع والابتكار.

وعلى الرغم من وجود التحديات الثقافية، ترى بعض المجتمعات المحافظة أن دور المرأة الأساسي يجب أن يركز على الأسرة والمجتمع المباشر، وتحذر من التوسع غير المنضبط في مشاركتها بجميع المجالات. يعتبرون أن الإفراط في ذلك قد يؤدي إلى تحديات اجتماعية وأخلاقية، وأن الأولوية يجب أن تكون للمسؤوليات التقليدية التي قد تتأثر سلبا بتوغلها في الأدوار الخارجية.

ولهذا الرأي ميزته واحترامه بالطبع.. لأن تخوف البعض من دخول المرأة المكثف في سوق العمل قد يهدد استقرار الأسرة ويؤثر على القيم والتوازن المجتمعي عند تهميش دور المرأة الأساسي لصالح أدوار خارجية غير معتادة. وعلى الجانب الآخر هناك ضغط الاحتراق وتزايد الأعباء، حيث إن تواجد المرأة في جميع المجالات يعني زيادة هائلة في الضغوط عليها مما يؤدي إلى التقصير.

هناك مثلا من يرى أن المنافسة بين الجنسين غير متكافئة.. بينما يعارض البعض فكرة تواجد المرأة كليا.. ويرى أن هناك فروقا طبيعية بينها وبين الرجل في القدرات الجسدية والنفسية، وبالتالي فإن دخول النساء إلى مجالات تتطلب جهدا جسديا كبيرا قد لا يكون في مصلحة المرأة أو المجتمع على حد سواء.. فالدخول المكثف في المجالات العامة قد يغير التوازن الاجتماعي ويؤدي إلى خلخلة أدوار الرجال التقليدية، ويزيد من التحديات في العلاقات الأسرية والاجتماعية.

ولنعرض عيوب وجهة النظر المتحفظة.. ونفند الرأي المغاير نقول.. إن وجهة النظر هذه قد تعتبر تقييدا لإمكانيات المرأة وقدراتها، حيث إن العديد من النساء يمكن أن يحققن إنجازات كبيرة في مختلف المجالات إذا أتيحت لهن الفرص المناسبة.. لذا فإن تهميش دور النساء في المجتمع قد يؤدي إلى إبعادهن عن المشاركة في عمليات صنع القرار والابتكار، مما يؤثر سلبا على المجتمع ككل.
ما أريد قوله إن تواجد النساء قد أحدث تغييرا في القيم المجتمعية بشكل عام.. أصبح الرجل أفضل في الطرقات العامة وفي المطاعم والمقاهي.. وحتى وهو خلف مقود السيارة.. أصبح يتعامل نوعا ما.. بمبدأ الشراكة مع المرأة أكثر من معاملتها بالتبعية.. وأصبح من الضروري إيجاد التوازن بين تمكين المرأة.. واحترام أدوارها الأساسية التي تعتبر ضرورية للحفاظ على استقرار المجتمع.

ومع هذه التغيرات يتساءل الكثيرون عن المسار الذي ستسلكه المرأة السعودية في المستقبل.

هل سيستمر هذا الزخم نحو تحقيق المزيد من الحريات والمشاركة الفاعلة؟ أم أن هناك تحديات اجتماعية وثقافية ستظل قائمة؟ المؤكد هو أن المرأة اليوم تخطو خطوات حاسمة نحو إعادة تعريف دورها في بناء المجتمع وتشكيل مستقبله.. وأن الأماكن كلها ترحب بتواجدها المخلص.. وشغفها الذي يحرك الجبال ويقدره الوطن.

smileofswords@