التكنولوجيا وحدها لا تكفي - لماذا تحتاج البشرية إلى الفنون؟
الاثنين - 07 أكتوبر 2024
Mon - 07 Oct 2024
لقد سمعت أن العلم هو الذي يسمح للناس بالعيش حتى سن المئة، ولكن الفنون هي التي تجعلنا نرغب في العيش حتى ذلك العمر.
لا أريد أن أختار بين الفنون والعلوم الإنسانية من جهة، والعلم والتكنولوجيا من جهة أخرى. أعتقد أننا بحاجة إلى كلا المجالين، ونحتاج إلى التفاعل بينهما. إن الحياة التي تتمتع بالتكنولوجيا ولكنها خالية من الثقافة والمنظور الإنساني ستكون حياة بلا إنسانية، بلا معنى.
أحب العديد من أشكال الفن، لكن زيارة المتاحف التي تعرض الفن الحديث تأتي في مقدمة قائمة أنشطتي المفضلة. أستمتع بشكل خاص بالتفاعل بين الفن نفسه والهندسة المعمارية المبتكرة للمتحف. أحب أحيانا أن أكون مبدعا بعض الشيء، من خلال التقاط صور للأعمال الفنية واستخدام المساحة التي وضعت فيها كخلفية. ألاحظ دائما مدى روعة تركيز ذهني على شيء بعيد كل البعد عن ضغوط الحياة اليومية.
ورغم أنني أعتمد على التكنولوجيا تقريبا في كل دقيقة، وفي كل ساعة، وفي كل يوم، فإنني لا أستطيع أن أقول إنها تمنحني الشعور نفسه. فعندما نطور التكنولوجيا ونطبقها ونستخدمها، فإننا لانفعل ذلك من أجل التكنولوجيا فحسب. فإذا قمنا بإزلة كل الطبقات، فإن التكنولوجيا التي تعمل حقا - والتي يتم تبنيها واستخدامها من أجل الخير - تهدف في نهاية المطاف إلى جعلنا أكثر ارتباطا ببعضنا بعضا، وأكثر قدرة على رعاية بعضنا بعضا، وأكثر سعادة. وربما تفعل ذلك من خلال التأثير المباشر على الطريقة التي نتواصل بها، أو نسافر بها، أو من خلال جعل عملنا وإنتاجيتنا أكثر كفاءة، أو من خلال الحفاظ على أنفسنا، والأشخاص الذين نتواصل معهم، وبيئاتنا المشتركة، أكثر صحة وازدهارا. ولكن التكنولوجيا في عموم الأمر مجرد أداة، وليست غاية.
ولكن لا يمكننا أن نقول الشيء نفسه عن الفن، فأنا أعتقد أن جزءا على الأقل من السبب وراء ذلك يكمن في غرائزنا الأساسية. وليس من قبيل المصادفة أن التعبير الفني والاستمتاع به كانا موجودين منذ بداية البشرية. فقد رقص البشر وغنوا وسردوا القصص وأبدعوا أشياء وصورا جميلة قبل وقت طويل من وجود المتاحف والمطابع.
إن السبب وراء ذلك هو أن كل البشر يريدون في الأساس أن يكونوا سعداء. وكل شيء في الحياة يدور في نهاية المطاف حول محاولة تحقيق هذا الهدف. ونحن نعلم من وفرة الأبحاث، ومن تجاربنا الشخصية أيضا، ما هو الأرجح بأن يؤدي إلى السعادة والوفاء: الشعور بالارتباط بالبشر الآخرين والشعور بأن ما نقوم به مهم للآخرين. لقد تعلمت أهم دروس حياتي - حول أهمية معرفة الذات والرحمة والتعاطف - من خلال التعرض لمجالات الفنون والعلوم الإنسانية، وكل ما تقدمه.
إن الفن يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على صحتنا، سواء كان ذلك رقصا أو موسيقى أو حرفا يدوية أو أدبا أو فنونا بصرية، وسواء كنا نبدع أو نؤدي أو نختبر تأثيرات جهود الفنانين. إن الفرح الخالص والآثار الإيجابية الموثقة جيدا على صحتنا العقلية من المشاركة في الفنون ربما تكون مرتبطة بحقيقة أنها تأخذ العقل بعيدا عن القلق والتأمل والأفكار المجهدة، دون جهد واعٍ تقريبا. إنها تجعلنا أكثر إبداعا وأكثر تركيزا على ما يهم البشر وأكثر قدرة على فهم أنفسنا والآخرين. كما أن الانخراط في الفنون يمكن أن يكون نشاطا اجتماعيا مكثفا، والذي سيكون له فوائد إضافية تتمثل في الاتصال الإنساني الذي نحتاجه جميعا.
ولإدخال هذا في إطار البيئة الجامعية، من الأهمية بمكان أن نبتكر ونبحث في الفنون والعلوم الإنسانية وتأثيراتها على البشر؛ وأن نعلم الأجيال الجديدة أفضل السبل للكتابة والملاحظة والتأمل والتواصل والإبداع والأداء، وأفضل السبل لدعوة الآخرين للانضمام والتعلم، لضمان أقصى قدر من التأثير على البشر ورفاهتهم. وهناك سبب يجعل الفنون والثقافة والعلوم الإنسانية في أغلب الجامعات في كلية واحدة: فهي مترابطة بشكل وثيق.
إن الجامعات بأكملها بحاجة إلى المشاركة في الفنون والثقافة، كما ينبغي للمجتمع أن يشارك أيضا. ولنعد إلى النقطة السابقة، فإن التفاعل بين الفنون والتكنولوجيا هو الأمر الأكثر احتياجا. وهناك سببان وراء ذلك:
الأول: أنه على الرغم من أن التكنولوجيا أنقذت وحسنت حياة البشر على مدى قرون، ويمكنها أن تساعد يوما ما في جعل كوكبنا مستداما وصحيا للبشر والنظام البيئي بأكمله، إلا أنها لا تزال في الأساس أداة. يحتاج الباحثون والمبتكرون في مجال العلوم والتكنولوجيا إلى الفنون والعلوم الإنسانية (والعلوم الاجتماعية) لضمان قدرتهم على تعلم أفضل السبل لجعل الأداة التكنولوجية تعمل على المستوى الإنساني. دون التواصل، ودون فهم الثقافة، ودون ترجمة المعنى التقني إلى "المعنى" الإنساني، يمكن أن تكون التكنولوجيا عديمة الفائدة أو حتى لها العديد من الآثار الجانبية غير المرغوب فيها. إذا لم يتم تنفيذها بشكل جيد، فقد تسبب ضررا حقيقا، أو يمكن توزيعها بشكل غير متساوٍ ولا تفيد إلا مجموعات معينة من الناس. في النهاية تعمل التكنولوجيا بشكل أفضل إذا كانت تعمل بشكل جيد للعديد من البشر.
الثاني: أن التكنولوجيا يمكن أن تعزز بشكل كبير الابتكار والإبداع ونطاق الفنون ووصولها إلى أبعد مدى. يستخدم العديد من الفنانين التكنولوجيا للإبداع بطرق غير مسبوقة، و/أو الوصول إلى الجماهير من خلال التكنولوجيا التي ما كانوا ليتمكنوا من الوصول إليها لولا التكنولوجيا. لقد رأينا العديد من الأمثلة للتكنولوجيا الرقمية في الفنون خلال جائحة كورونا ورغم أننا جميعا كنا لا نستطيع زيارة المتاحف وحضور الحفلات الموسيقية، فقد ظهرت بعض أشكال الفنون وتقديمها من خلال الأزمة وما زالت قائمة. لكننا بحاجة أيضا إلى أن نسأل أنفسنا باستمرار عن المكان الذي تبعدنا عنه التكنولوجيا وتعيق التواصل الذي نحتاجه جميعا. يحتاج الفن إلى التكنولوجيا، وتحتاج التكنولوجيا إلى الفن والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية.
أخيرا، لا شك أن للفنون فوائد أخرى عديدة، ليس أقلها اقتصادية، ولكن في نهاية المطاف فإن المجتمع الذي لا يدرك أهمية الفنون والثقافة بشكل واضح يحرم نفسه من جوهرها. لا يمكننا أن نقدر إنسانيتنا ونفهمها حق قدرها، ولا يمكننا أن نكون مجتمعا متعاطفا، ولا يمكننا أن نكون سعداء كبشر، إذا لم نسمح لقلوبنا وعقولنا بالتواصل. والتكنولوجيا وحدها لن تنقذنا، فنحن في بحجة إلى الفنون لكي تكون متكاملة.
لا أريد أن أختار بين الفنون والعلوم الإنسانية من جهة، والعلم والتكنولوجيا من جهة أخرى. أعتقد أننا بحاجة إلى كلا المجالين، ونحتاج إلى التفاعل بينهما. إن الحياة التي تتمتع بالتكنولوجيا ولكنها خالية من الثقافة والمنظور الإنساني ستكون حياة بلا إنسانية، بلا معنى.
أحب العديد من أشكال الفن، لكن زيارة المتاحف التي تعرض الفن الحديث تأتي في مقدمة قائمة أنشطتي المفضلة. أستمتع بشكل خاص بالتفاعل بين الفن نفسه والهندسة المعمارية المبتكرة للمتحف. أحب أحيانا أن أكون مبدعا بعض الشيء، من خلال التقاط صور للأعمال الفنية واستخدام المساحة التي وضعت فيها كخلفية. ألاحظ دائما مدى روعة تركيز ذهني على شيء بعيد كل البعد عن ضغوط الحياة اليومية.
ورغم أنني أعتمد على التكنولوجيا تقريبا في كل دقيقة، وفي كل ساعة، وفي كل يوم، فإنني لا أستطيع أن أقول إنها تمنحني الشعور نفسه. فعندما نطور التكنولوجيا ونطبقها ونستخدمها، فإننا لانفعل ذلك من أجل التكنولوجيا فحسب. فإذا قمنا بإزلة كل الطبقات، فإن التكنولوجيا التي تعمل حقا - والتي يتم تبنيها واستخدامها من أجل الخير - تهدف في نهاية المطاف إلى جعلنا أكثر ارتباطا ببعضنا بعضا، وأكثر قدرة على رعاية بعضنا بعضا، وأكثر سعادة. وربما تفعل ذلك من خلال التأثير المباشر على الطريقة التي نتواصل بها، أو نسافر بها، أو من خلال جعل عملنا وإنتاجيتنا أكثر كفاءة، أو من خلال الحفاظ على أنفسنا، والأشخاص الذين نتواصل معهم، وبيئاتنا المشتركة، أكثر صحة وازدهارا. ولكن التكنولوجيا في عموم الأمر مجرد أداة، وليست غاية.
ولكن لا يمكننا أن نقول الشيء نفسه عن الفن، فأنا أعتقد أن جزءا على الأقل من السبب وراء ذلك يكمن في غرائزنا الأساسية. وليس من قبيل المصادفة أن التعبير الفني والاستمتاع به كانا موجودين منذ بداية البشرية. فقد رقص البشر وغنوا وسردوا القصص وأبدعوا أشياء وصورا جميلة قبل وقت طويل من وجود المتاحف والمطابع.
إن السبب وراء ذلك هو أن كل البشر يريدون في الأساس أن يكونوا سعداء. وكل شيء في الحياة يدور في نهاية المطاف حول محاولة تحقيق هذا الهدف. ونحن نعلم من وفرة الأبحاث، ومن تجاربنا الشخصية أيضا، ما هو الأرجح بأن يؤدي إلى السعادة والوفاء: الشعور بالارتباط بالبشر الآخرين والشعور بأن ما نقوم به مهم للآخرين. لقد تعلمت أهم دروس حياتي - حول أهمية معرفة الذات والرحمة والتعاطف - من خلال التعرض لمجالات الفنون والعلوم الإنسانية، وكل ما تقدمه.
إن الفن يمكن أن يؤثر بشكل مباشر على صحتنا، سواء كان ذلك رقصا أو موسيقى أو حرفا يدوية أو أدبا أو فنونا بصرية، وسواء كنا نبدع أو نؤدي أو نختبر تأثيرات جهود الفنانين. إن الفرح الخالص والآثار الإيجابية الموثقة جيدا على صحتنا العقلية من المشاركة في الفنون ربما تكون مرتبطة بحقيقة أنها تأخذ العقل بعيدا عن القلق والتأمل والأفكار المجهدة، دون جهد واعٍ تقريبا. إنها تجعلنا أكثر إبداعا وأكثر تركيزا على ما يهم البشر وأكثر قدرة على فهم أنفسنا والآخرين. كما أن الانخراط في الفنون يمكن أن يكون نشاطا اجتماعيا مكثفا، والذي سيكون له فوائد إضافية تتمثل في الاتصال الإنساني الذي نحتاجه جميعا.
ولإدخال هذا في إطار البيئة الجامعية، من الأهمية بمكان أن نبتكر ونبحث في الفنون والعلوم الإنسانية وتأثيراتها على البشر؛ وأن نعلم الأجيال الجديدة أفضل السبل للكتابة والملاحظة والتأمل والتواصل والإبداع والأداء، وأفضل السبل لدعوة الآخرين للانضمام والتعلم، لضمان أقصى قدر من التأثير على البشر ورفاهتهم. وهناك سبب يجعل الفنون والثقافة والعلوم الإنسانية في أغلب الجامعات في كلية واحدة: فهي مترابطة بشكل وثيق.
إن الجامعات بأكملها بحاجة إلى المشاركة في الفنون والثقافة، كما ينبغي للمجتمع أن يشارك أيضا. ولنعد إلى النقطة السابقة، فإن التفاعل بين الفنون والتكنولوجيا هو الأمر الأكثر احتياجا. وهناك سببان وراء ذلك:
الأول: أنه على الرغم من أن التكنولوجيا أنقذت وحسنت حياة البشر على مدى قرون، ويمكنها أن تساعد يوما ما في جعل كوكبنا مستداما وصحيا للبشر والنظام البيئي بأكمله، إلا أنها لا تزال في الأساس أداة. يحتاج الباحثون والمبتكرون في مجال العلوم والتكنولوجيا إلى الفنون والعلوم الإنسانية (والعلوم الاجتماعية) لضمان قدرتهم على تعلم أفضل السبل لجعل الأداة التكنولوجية تعمل على المستوى الإنساني. دون التواصل، ودون فهم الثقافة، ودون ترجمة المعنى التقني إلى "المعنى" الإنساني، يمكن أن تكون التكنولوجيا عديمة الفائدة أو حتى لها العديد من الآثار الجانبية غير المرغوب فيها. إذا لم يتم تنفيذها بشكل جيد، فقد تسبب ضررا حقيقا، أو يمكن توزيعها بشكل غير متساوٍ ولا تفيد إلا مجموعات معينة من الناس. في النهاية تعمل التكنولوجيا بشكل أفضل إذا كانت تعمل بشكل جيد للعديد من البشر.
الثاني: أن التكنولوجيا يمكن أن تعزز بشكل كبير الابتكار والإبداع ونطاق الفنون ووصولها إلى أبعد مدى. يستخدم العديد من الفنانين التكنولوجيا للإبداع بطرق غير مسبوقة، و/أو الوصول إلى الجماهير من خلال التكنولوجيا التي ما كانوا ليتمكنوا من الوصول إليها لولا التكنولوجيا. لقد رأينا العديد من الأمثلة للتكنولوجيا الرقمية في الفنون خلال جائحة كورونا ورغم أننا جميعا كنا لا نستطيع زيارة المتاحف وحضور الحفلات الموسيقية، فقد ظهرت بعض أشكال الفنون وتقديمها من خلال الأزمة وما زالت قائمة. لكننا بحاجة أيضا إلى أن نسأل أنفسنا باستمرار عن المكان الذي تبعدنا عنه التكنولوجيا وتعيق التواصل الذي نحتاجه جميعا. يحتاج الفن إلى التكنولوجيا، وتحتاج التكنولوجيا إلى الفن والعلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية.
أخيرا، لا شك أن للفنون فوائد أخرى عديدة، ليس أقلها اقتصادية، ولكن في نهاية المطاف فإن المجتمع الذي لا يدرك أهمية الفنون والثقافة بشكل واضح يحرم نفسه من جوهرها. لا يمكننا أن نقدر إنسانيتنا ونفهمها حق قدرها، ولا يمكننا أن نكون مجتمعا متعاطفا، ولا يمكننا أن نكون سعداء كبشر، إذا لم نسمح لقلوبنا وعقولنا بالتواصل. والتكنولوجيا وحدها لن تنقذنا، فنحن في بحجة إلى الفنون لكي تكون متكاملة.