جن سيدنا سليمان
الأربعاء - 25 سبتمبر 2024
Wed - 25 Sep 2024
الصحة هي الركيزة الأساسية التي يبنى عليها استقرار المجتمعات ورفاه الأفراد... لذا فإن أعظم ما يتطلع إليه الإنسان، في أي بقعة من أرض الوطن هو رعاية صحية متكاملة دون تأخير، رعاية شاملة وفعالة تضمن الحصول على الخدمات الطبية الضرورية دون عقبات، سواء كانت مالية تثقل كاهل الفرد، أو جغرافية تحول دون وصوله إلى هذه الرعاية، نظام يضمن سرعة التشخيص والعلاج، والحصول على المساعدة الفورية سواء في المستشفيات أو عبر خدمات الرعاية عن بعد.
ولنتخيل المستقبل سويا، حيث لا انتظار في المستشفيات ولا طوابير طويلة... بينما تجوب عيادات متنقلة الأحياء مدعومة بتكنولوجيا AI تتنبأ باحتياجاتك الصحية قبل طلبها.
قد تزرع في جسدك أجهزة صغيرة تراقب حالتك إذا ظهرت تغيرات دقيقة في مؤشراتك الصحية، لترسل تنبيهات فورية توجهك للتشخيص في لحظات. الجراحات الروتينية ستجرى بواسطة روبوتات، تاركة الأطباء للتواصل الإنساني والإبداع.
سيصبح التمريض علاقة تعاطف ومساندة قبل أن يكون خدمة رعوية... تخيل معي أكثر أن تصبح التقارير اليومية من تطبيقات الذكاء الاصطناعي مصدرا لنصائح تحسن نمط حياتك.. وسترسل الأدوية لبيتك.. وعند حالات الطوارئ ستصل إليك طائرات الدرون أو مركبات ذاتية القيادة في دقائق لتقدم الإسعافات.
هذا المستقبل ليس مجرد خيال جامح، بل هو واقع يتشكل أمامنا.. وسيعيد صياغة مفهوم الرعاية الصحية عالميا.
ولنعد إلى الواقع الآن، رغم قدرة الخيال على فتح آفاق جديدة وخلق طرق إبداعية للتفكير، الواقع الذي يواجهنا بتحديات جسيمة في القطاع الصحي.
فنحن إن كنا نطمح إلى أهداف كبرى مثل: زيادة متوسط العمر المتوقع إلى 80 عاما، وتعزيز الرعاية الوقائية، وتحسين جودة الخدمات الصحية، وتوسيع نطاق التغطية الصحية الشاملة، فضلا عن تطبيق التحول الرقمي بشكل شامل وفعال، فإننا بحاجة إلى خطوات جذرية عاجلة؛ فالتحديات تتزايد والفرص موجودة، والمسارات واضحة.
ومع اقتراب 2030 نتساءل عما حققته وزارة الصحة أو هيئة التخصصات الصحية من مستهدفات، خاصة فيما يتعلق بمشروع الملف الصحي الموحد.
أين وصل المشروع؟ ولماذا لا يتم تسريع ربط المستشفيات والمراكز الصحية بنظام واحد يحفظ المعلومات ويلغي ازدواجية إدخال البيانات؟ ما الذي حدث في ملف خصخصة القطاع الصحي في ظل عدم تقديم الحوافز اللازمة لتخفيف المقاومة؟ وكيف ننتظر تحسين مناخ الاستثمار في القطاع الصحي دون تقديم تسهيلات مالية وضريبية أكبر للمستثمرين؟ بالله عليكم كيف يمكن تحسين الخدمات الصحية بينما تواصل البيروقراطية المتغلغلة في جسد الصحة عرقلة الكفاءة؟ ألا يستدعي الأمر إجراء إعادة هيكلة شاملة لتبسيط الإجراءات وتحقيق التحسينات المطلوبة؟
أما إن تحدثنا عن القضية الأهم، فهي ملف التأمين الصحي الشامل.. أين وصل التنفيذ؟ ولماذا لا يقدم دعم حكومي للفئات غير القادرة على تحمل تكلفة التأمين لضمان خدمات صحية متساوية لحين البت في أمر ملف التأمين؟
من جهة أخرى، ألا يوجد رقابة على أسعار الاستشارات الطبية في القطاع الخاص.. هل تعكس الأسعار الحالية التكلفة الحقيقية للخدمات دون إرهاق المواطن؟ كيف يمكن لطبيب أن يفرض كشفية تصل إلى 600 ريال، حتى لو كان من أكبر الاستشاريين؟ وما مصير الأسر التي تتحمل تكاليف الكشف لندرة التخصص مثلا ؟ أليس من الضروري وجود نظام يربط أجور الأطباء بجودة الخدمة وليس بعدد المرضى أو قيمة الرسوم فقط؟
كيف يمكن أن نتفاخر بوجود العديد من المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، بينما تطول فترات الانتظار بين التشخيص والعلاج؟ كيف تحظى الرياض وجدة بخدمات صحية متطورة، بينما تعاني المناطق الأخرى من نقص في المستشفيات والكوادر المؤهلة بشكل يضغط على مرافق المدن الكبرى، ويستنزف قدراتها، والأدهى من ذلك النقص في كوادر التخصصات الدقيقة مثل طب الأورام والجراحة المتقدمة.. مما يؤثر سلبا على جودة الرعاية ويطيل فترات الانتظار.. كلها تساؤلات من مواطنة جربت التداوي في القطاعين الحكومي والخاص.. فهل هناك من سيجيب عليها بشفافية؟
ما يجب أن يدركه العاملون في القطاع الصحي (خاصة الحكومي).. أن المريض لم يعد مجرد مريض.. بل هو "عميل" يتلقى الرعاية والاهتمام.. هذا التحول في المفهوم والممارسة سينقل التركيز من الحالة الصحية إلى التركيز على تحسين تجربة المريض.. مما يعني تخصيص وقت أكبر للمرضى والتفاعل مع الأطباء، بالإضافة إلى توفير بيئة مريحة.
وفي رأيي، إن أعظم ما يمكن أن تقدمه المستشفيات سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، لتحقيق رضا العملاء، هو تحسين إدارة جداول المواعيد باستخدام التقنيات الذكية لتقليل فترات الانتظار.. لأن أغلب الانتقادات الموجهة للنظام الصحي تتركز في غياب التخطيط الفعال والتوزيع غير المتوازن للموارد.
وإن قلنا إن تطبيق "صحتي" والمبادرات الرقمية الأخرى تسهم في تسهيل الرعاية الصحية، فإن الاستفادة الفعلية من التكنولوجيا وتحليل وربط البيانات سيكون له تأثيرات إيجابية على كفاءة النظام الصحي بشكل عام.
ختاما، لا يمكن إنكار التطورات التي تحققت في القطاع الصحي، لكن إصلاح النظام في المملكة يتطلب جهودا جريئة تتجاوز الحلول المؤقتة لمشاكل الصحة المستعصية.
الوطن يؤمن برجاله ونسائه.. والرهان ليس على تحسينات سطحية، بل على إعادة تشكيل النظام الصحي ليتحول إلى تجربة إنسانية شاملة، وليس مجرد إجراء طبي.
صدقوني.. سيصبح الخيال حقيقة يوما ما وسنرى الرعاية الصحية تتميز بشكل يفوق التوقعات، هي خطوات ليست بحاجة إلى "جن سيدنا سليمان" بل إلى عزيمة بشرية تحقق ما كان يبدو مستحيلا.
smileofswords@
ولنتخيل المستقبل سويا، حيث لا انتظار في المستشفيات ولا طوابير طويلة... بينما تجوب عيادات متنقلة الأحياء مدعومة بتكنولوجيا AI تتنبأ باحتياجاتك الصحية قبل طلبها.
قد تزرع في جسدك أجهزة صغيرة تراقب حالتك إذا ظهرت تغيرات دقيقة في مؤشراتك الصحية، لترسل تنبيهات فورية توجهك للتشخيص في لحظات. الجراحات الروتينية ستجرى بواسطة روبوتات، تاركة الأطباء للتواصل الإنساني والإبداع.
سيصبح التمريض علاقة تعاطف ومساندة قبل أن يكون خدمة رعوية... تخيل معي أكثر أن تصبح التقارير اليومية من تطبيقات الذكاء الاصطناعي مصدرا لنصائح تحسن نمط حياتك.. وسترسل الأدوية لبيتك.. وعند حالات الطوارئ ستصل إليك طائرات الدرون أو مركبات ذاتية القيادة في دقائق لتقدم الإسعافات.
هذا المستقبل ليس مجرد خيال جامح، بل هو واقع يتشكل أمامنا.. وسيعيد صياغة مفهوم الرعاية الصحية عالميا.
ولنعد إلى الواقع الآن، رغم قدرة الخيال على فتح آفاق جديدة وخلق طرق إبداعية للتفكير، الواقع الذي يواجهنا بتحديات جسيمة في القطاع الصحي.
فنحن إن كنا نطمح إلى أهداف كبرى مثل: زيادة متوسط العمر المتوقع إلى 80 عاما، وتعزيز الرعاية الوقائية، وتحسين جودة الخدمات الصحية، وتوسيع نطاق التغطية الصحية الشاملة، فضلا عن تطبيق التحول الرقمي بشكل شامل وفعال، فإننا بحاجة إلى خطوات جذرية عاجلة؛ فالتحديات تتزايد والفرص موجودة، والمسارات واضحة.
ومع اقتراب 2030 نتساءل عما حققته وزارة الصحة أو هيئة التخصصات الصحية من مستهدفات، خاصة فيما يتعلق بمشروع الملف الصحي الموحد.
أين وصل المشروع؟ ولماذا لا يتم تسريع ربط المستشفيات والمراكز الصحية بنظام واحد يحفظ المعلومات ويلغي ازدواجية إدخال البيانات؟ ما الذي حدث في ملف خصخصة القطاع الصحي في ظل عدم تقديم الحوافز اللازمة لتخفيف المقاومة؟ وكيف ننتظر تحسين مناخ الاستثمار في القطاع الصحي دون تقديم تسهيلات مالية وضريبية أكبر للمستثمرين؟ بالله عليكم كيف يمكن تحسين الخدمات الصحية بينما تواصل البيروقراطية المتغلغلة في جسد الصحة عرقلة الكفاءة؟ ألا يستدعي الأمر إجراء إعادة هيكلة شاملة لتبسيط الإجراءات وتحقيق التحسينات المطلوبة؟
أما إن تحدثنا عن القضية الأهم، فهي ملف التأمين الصحي الشامل.. أين وصل التنفيذ؟ ولماذا لا يقدم دعم حكومي للفئات غير القادرة على تحمل تكلفة التأمين لضمان خدمات صحية متساوية لحين البت في أمر ملف التأمين؟
من جهة أخرى، ألا يوجد رقابة على أسعار الاستشارات الطبية في القطاع الخاص.. هل تعكس الأسعار الحالية التكلفة الحقيقية للخدمات دون إرهاق المواطن؟ كيف يمكن لطبيب أن يفرض كشفية تصل إلى 600 ريال، حتى لو كان من أكبر الاستشاريين؟ وما مصير الأسر التي تتحمل تكاليف الكشف لندرة التخصص مثلا ؟ أليس من الضروري وجود نظام يربط أجور الأطباء بجودة الخدمة وليس بعدد المرضى أو قيمة الرسوم فقط؟
كيف يمكن أن نتفاخر بوجود العديد من المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، بينما تطول فترات الانتظار بين التشخيص والعلاج؟ كيف تحظى الرياض وجدة بخدمات صحية متطورة، بينما تعاني المناطق الأخرى من نقص في المستشفيات والكوادر المؤهلة بشكل يضغط على مرافق المدن الكبرى، ويستنزف قدراتها، والأدهى من ذلك النقص في كوادر التخصصات الدقيقة مثل طب الأورام والجراحة المتقدمة.. مما يؤثر سلبا على جودة الرعاية ويطيل فترات الانتظار.. كلها تساؤلات من مواطنة جربت التداوي في القطاعين الحكومي والخاص.. فهل هناك من سيجيب عليها بشفافية؟
ما يجب أن يدركه العاملون في القطاع الصحي (خاصة الحكومي).. أن المريض لم يعد مجرد مريض.. بل هو "عميل" يتلقى الرعاية والاهتمام.. هذا التحول في المفهوم والممارسة سينقل التركيز من الحالة الصحية إلى التركيز على تحسين تجربة المريض.. مما يعني تخصيص وقت أكبر للمرضى والتفاعل مع الأطباء، بالإضافة إلى توفير بيئة مريحة.
وفي رأيي، إن أعظم ما يمكن أن تقدمه المستشفيات سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، لتحقيق رضا العملاء، هو تحسين إدارة جداول المواعيد باستخدام التقنيات الذكية لتقليل فترات الانتظار.. لأن أغلب الانتقادات الموجهة للنظام الصحي تتركز في غياب التخطيط الفعال والتوزيع غير المتوازن للموارد.
وإن قلنا إن تطبيق "صحتي" والمبادرات الرقمية الأخرى تسهم في تسهيل الرعاية الصحية، فإن الاستفادة الفعلية من التكنولوجيا وتحليل وربط البيانات سيكون له تأثيرات إيجابية على كفاءة النظام الصحي بشكل عام.
ختاما، لا يمكن إنكار التطورات التي تحققت في القطاع الصحي، لكن إصلاح النظام في المملكة يتطلب جهودا جريئة تتجاوز الحلول المؤقتة لمشاكل الصحة المستعصية.
الوطن يؤمن برجاله ونسائه.. والرهان ليس على تحسينات سطحية، بل على إعادة تشكيل النظام الصحي ليتحول إلى تجربة إنسانية شاملة، وليس مجرد إجراء طبي.
صدقوني.. سيصبح الخيال حقيقة يوما ما وسنرى الرعاية الصحية تتميز بشكل يفوق التوقعات، هي خطوات ليست بحاجة إلى "جن سيدنا سليمان" بل إلى عزيمة بشرية تحقق ما كان يبدو مستحيلا.
smileofswords@