بسمة السيوفي

بلاد سلمان

الأربعاء - 18 سبتمبر 2024

Wed - 18 Sep 2024

في إحدى رحلات السفر إلى اليونان، وخلال جولة في شوارع أثينا القديمة داخل سيارة تاكسي، وبعد حديث عابر.. بادر السائق اليوناني بالسؤال المعتاد "من أي بلد أنتم؟ Which Country are you from ليأتي الرد الفخور: من السعودية From Saudi Arabia".. ارتسمت على وجه السائق الخمسيني ابتسامة مفاجئة وقال "Ah, Saudi Arabia, the land of Salman!".

"آه، السعودية، بلاد سلمان!" وانتشر شعور جميل بين الحنايا متجاوزا سقف التاكسي ومقاعده وأبوابه... إذ لم يسأل السائق عن أين تقع السعودية كباقي من نصادفهم في السفر، ولم يكن بحاجة لتوضيحات نمطية كالسؤال عن الخيم والجمال وآبار البترول، فالصورة بالتأكيد قد تغيرت.

لم يكن هذا مجرد مصادفة، فقد أصبح واضحا للعالم أن المملكة العربية السعودية لم تعد مجرد موقع جغرافي غني بالنفط، بل تحولت إلى قوة إقليمية مؤثرة، لها ثقلها الاقتصادي والثقافي والتكنولوجي على مستوى العالم.. شهدت المملكة خلال العقد الماضي تحولات جذرية فاقت كل التوقعات.

تجلت هذه التغيرات في جميع جوانب الحياة، من الاقتصاد إلى الثقافة، ومن التكنولوجيا إلى الطاقة المتجددة. اليوم، بات العالم يعي أن السعودية أصبحت قوة رائدة ونموذجا يحتذى به في التغيير والابتكار والتقدم.

منذ انطلاق رؤية 2030، شرعت السعودية في تنويع اقتصادها وتقليص اعتمادها على النفط، مما أدى إلى تحقيق ازدهار اقتصادي غير مسبوق.

فقد سجل الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي نموا سنويا قدره 5% على مدى السنوات الثلاث الماضية، وارتفعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 30%.

هذا التقدم حظي باعتراف المؤسسات الدولية، حيث أشاد صندوق النقد الدولي في تقرير مشاورات المادة الرابعة لعام 2024 بتفوق السعودية في مجالات المعرفة والتقدم الرقمي.

لم يقتصر التغيير على الجانب الاقتصادي فقط، بل شمل أيضا الجانب الثقافي، فقد أصبحت السعودية وجهة سياحية عالمية بفضل المشاريع العملاقة مثل القدية ونيوم ومشروع البحر الأحمر، مما أسفر عن زيادة بنسبة 60% في عدد السياح الدوليين.

هذا التحول يعكس جزءا من استراتيجية شاملة تهدف إلى تحويل المملكة إلى مركز ثقافي وسياحي عالمي.

إلى جانب التغييرات الاقتصادية والثقافية، شهدت السعودية تحولات اجتماعية بارزة، حيث تمتعت المرأة بحقوق جديدة في مجالات العمل والسفر والقيادة وتشريعات الأسرة.

تؤكد هذه التعديلات التزام المملكة بنهج القيادة لتحقيق العدالة بين الجنسين وتعزيز دور المرأة في المجتمع، فقد ارتفعت نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل لتتجاوز 30%، مما يعكس تحولا عميقا في البنية الاجتماعية للمملكة.

هذه الإصلاحات لم تقتصر على تغييرات تشريعية وقانونية فحسب، بل شكلت جزءا من تحول جذري في الهيكل الاجتماعي للمملكة.

لكن دعونا نعترف أن التغيير الجذري تحقق في المجتمع السعودي بفضل برنامج الابتعاث الذي أحدث نقلة نوعية.. فقد عادت الكوادر المؤهلة بأساليب تعليمية جديدة وأفكار مبتكرة، مما ساهم في تحسين مستوى المعرفة الجمعية وتعزيز الإبداع في مختلف المجالات. كما تزامن هذا مع تحديثات جذرية في الأنظمة والسياسات، مما جعل المجتمع أكثر مرونة واستعدادا للتكيف مع المتغيرات المحلية والعالمية.

نحن انتقلنا من انغلاق على فكر واحد إلى ثقافة "مهرجان البحر الأحمر للسينما ومسابقات الفورميولا".. وإلى وجود نجوم عالميين مثل رونالدو ونيمار بين ظهرانينا.. لتزداد فرص تعزيز التنوع الثقافي وتقديم التجارب المبتكرة التي ترسخ مكانة المملكة على الساحة الدولية. في الوقت نفسه عكست قرارات مثل ارتداء الزي الوطني في الجامعات السعودية والجهات الحكومية حرص المملكة على دمج الحديث مع التقليدي، مما يبرز قدرتنا على المضي قدما دون المساس بجوهر ثقافتنا.

وأظهر التوازن بين الابتكار والحفاظ على الهوية الوطنية قدرتنا على التقدم دون التفريط في جذورنا الثقافية.

فنحن نواجه اختبارا حقيقيا لتحسين جودة الحياة وتوفير فرص جديدة للشباب، الذين يشكلون غالبية السكان بمتوسط عمر 25 عاما، وهي معادلة صعبة تتطلب مزيجا من رؤية واضحة وجهود مستمرة لتحقيق التقدم مع الحفاظ على القيم الأساسية.

في ظل هذه التحولات تبرز تحديات تتطلب منا التصدي بحزم للانتقادات الخارجية والتمسك بسيادتنا، مع رفض قاطع لأي مساس بالشؤون الداخلية.

فالسعودية ستظل ملتزمة بقيمها الإسلامية، الأصيلة وتعزز إصلاحات حقوق الإنسان مع ضمان حرية التعبير ضمن إطار يحافظ على الأمن والاستقرار.

كما تسعى السياسة الدولية المتوازنة بهدف تعزيز الأمن الإقليمي وتطوير الاقتصاد من خلال التعاون القائم على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل.

وفي يوم 23 سبتمبر.. في عيد الوطن الرابع والتسعين، نرى الوطن كالحلم الذي صار حقيقة.. هو دائما هناك، يمد لنا يده كلما تعثرت خطانا، ويحتضننا بحب لا يقاس.. نحتفي فخرا بما حققه من تقدم لافت، من الاقتصاد المزدهر، إلى البنية التحتية التي تتطور سراعا، وصولا إلى الإصلاحات الاجتماعية الرائدة.. أصبح الوطن البوصلة التي تحفز الشعوب الأخرى على التغيير والازدهار.. وقد نجح في محو الصورة النمطية القديمة، أصبح العالم يتحدث عن "بلاد سلمان" كأنها أرض الأساطير والإمكانات اللامحدودة.

فقد اكتشفوا فيها ما يستحق الثناء والتقدير، بعيدا عن الأسئلة التقليدية المتعلقة بالخيم والجمال وآبار البترول.

"تراثنا قيم.. وملوكنا قمم.. نحن مع أحبابنا سلم وكرم.. ونحن على أعدائنا موت وحمم.. نحن أشهر من علم.. نحن خدام الحرم".. فدم سالما عزيزا تضم تحت رايتك القاصي والداني.. تلقن الدروس للمغرض والجاني.. وترتقي مجدا لا ينتهي.

smileofswords@