عبدالحليم البراك

مراحل الكذب..

الثلاثاء - 17 سبتمبر 2024

Tue - 17 Sep 2024

يبدو لي أن للكذب مراحل، أو قل بعبارة أخرى أشكالا، أو قل أي شيء، المهم أن هذا الشيء يمر في أطوار ومراحل لا بد من استعراضها، والهدف من ذلك الفهم ثم التفهم ثم العلاج وأخيرا بعد هذا كله أن تتجاوز الكاذب ولا تقول له شيئا إلا "ربنا يعينك على نفسك" لأن هذه مرحلة الحكمة الأخيرة.

المهم؛ أول مراحل الكذب: الكذب الواضح، من يكذب ويتضح من كلامه ومن لغة جسده أنه يكذب، وهو يعرف أنه لا يعرف أنه يكذب، وما إن ينتصف في الكذبة حتى يعترف بأنه يكذب، وهذا بالطبع أطيب الناس وأصدقهم مع نفسه برغم أنه كذاب، على الأقل لم يستمر أو لم يصل بعد إلى آخر الطريق المؤدي للمرض النفسي الأخير.

المرحلة الثانية: مرحلة الكذب المتناقض، بعد أن بدأ طريقه في احتراف الكذب يصبح في هذه المرحلة أكثر إدراكا في سرده للقصص؛ فيسرد قصة غير متناسقة ويجزم أنه صادق، والجميع يعرف أنه كاذب، لكنهم لا يريدون أن يفضحوه فالقصة قريبة من الحقيقة، لدرجة أنهم يمررون له الكذب وفي قرارة أنفسهم "كذاب ولا تعد لها مرة أخرى".

المرحلة الثالثة: مرحلة الكذب شبه المتقن، هي تلك القصة شبه المتقنة والتي لا تعرف هل هي كذب أم لا، هل هو صادق أم لا، وتحتاج إلى بحث في الأدلة وتقصٍ للحقائق، وبما أن الموضوع لا يتجاوز حكاية أو قصة أو حتى عنتريات فخر عابرة فأنت لن تتأكد وتدعها تنطلي عليك الكذبة بل انطلت عليك فعلا لولا بعض القرائن التي تكاد تفضح ولا تكاد تبين، وهذه لا ينفع معها إلا أن تقول "إن الله مع الصابرين، نصبر ونشوف" وقد ينكشف وقد لا ينكشف وقد تفرقكم الأقدار.

المرحلة الرابعة: إتقان الكذب، وفي هذه المرحلة ومن شدة إتقانه للكذبة أنت تصدقها وهو يصدقها، ويعيش أجواءها، فإن كان كذوبا ذكورا – يعني لديه ذاكرة للكذب – ويصعب مواجهته، لأنه قد صدق كذبته وتعايش معها ووصل لمرحلة إتقان التفاصيل التي تجعله يعيشها، بل ومن كثرة ما ردد على نفسه هذه الكذبة صارت كأنها حقيقية، وكأنه عاشها، وأنها تحولت لحقل الذكريات فقط وإلا هي حقيقة في نظره، وأنت في هذه اللحظة لا تحتاج إلا الدليل الذي يفضحه أو أنت مضطر أن تصدقه، فإن كان قد صدق نفسه وعاش الدور الصادق فيه ألا تصدقه؟

المرحلة الخامسة: ترويج الكذب، في هذه المرحلة بعد أن تجاوز الكذاب درجة الإتقان، يفزع له الناس فيكذب ويروج الناس لكذبه، وغالبا في هذه المرحلة يملك الكذاب قوة معينة تستطيع أن تروج له، قوة إعلامية أو غوغائية بعض الناس أو ألفاظ، فالناس إن صدقت كذب بعضهم صدق هو كذبه، لأن الناس أدرى به وأعلم منه، فكيف لا يصدق جمعا لا يمكن تواطؤهم على الكذب؟ أليس كذلك، وهذا الكاذب يستطيع - بسبب الناس طبعا – أن يدخل التاريخ، فمن قال إن بعض الكذابين والمزورين لا يدخلون التاريخ من أوسع أبوابه؟ بل يدخلون هذا إن كان للتاريخ أصلا باب فهو مفتوح على مصراع مصراعيه، لا يدخله إلا الكذابون والجبناء والمزورون وبعض الصادقين والصالحين!!

المرحلة السادسة: وهي أعلى مراحل الكذب.. هي تأثير الكذب على الجسد، أن يكذب ويعيشه الكذب حتى تعيش الخلايا والغدد وتنتج الهرمونات التي تجعله كاذبا، وهذا لا يحدث فقط للمرأة التي تود أن تحمل فينتفخ بطنها ظنا منها أنه حامل، وتنقطع عنها الدورة وما هو إلا كذبة وخيال نفسي أثرا على الجسد، أقول لا يقتصر الأمر على المرأة بل حتى على الرجال أيضا، فبعض الرجال يعيش دور الأسد فينفخ صدره وهو غلبان مسكين لا حول ولا قوة له، وبعض الرجال يمرض بسبب حب أو هوى وهذا من تأثير كذبه بالحب على نفسه لدرجة الإضرار بنفسه.

أخيرا، يمكننا القول عندما تكذب اختر أحد الأمور المذكورة بالمراحل أعلاه أو لا تكذب أصلا.

Halemalbaarrak@