شاهر النهاري

أوجدوا حلا رحيما للأيتام واللقطاء

الاثنين - 16 سبتمبر 2024

Mon - 16 Sep 2024

من بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه وسلم ظلت المرجعيات الدينية تجتمع وتتدارس الأحكام، وتتفق على تعديل أو تعطيل أو إصدار قوانين جديدة بما يعرف بالإجماع، وهو المصدر الثالث في التشريع الإسلامي بعد القرآن والسنة.

وكان هذا يحدث تأقلما مع مستجدات الظروف ومفاهيم الأزمنة المتعاقبة، ولتعبئة الفراغات وحل المعضلات، وتقريب العالم الإسلامي من المحيط العالمي المتغير من حولهم.

بيوت الأثرياء كانت مليئة بالعبيد والجواري، قبل أن تقوم هيئة الأمم المتحدة بمنع العبودية عالميا، ما جعل المرجعيات الدينية الإسلامية تتحرك، وتقرر بالإجماع ضرورة ومنطقية المساواة الكاملة بين البشر، وإغلاق أسواق النخاسة.

وظلت الحكومات الفاعلة تشجع الهيئات الدينية الفقهية لتفعيل الاجتهاد أو القياس، وحسب نوعية القضايا المستحدثة في الأمور المدنية والإنسانية، ومواكبة سائر مستجدات المعارف والعلوم، وسط أصوات تبرر لضرورة التغيير، ومعارضة أصوات متزمتة أو متخوفة، والنقاشات تحتدم قبل إصدار الفتاوى بإجماع إنساني عصري مفيد لأغلب المجتمعات، وبنوايا رفع الأذى عمن تضرروا في السابق، ولكون عجلة الحياة المستقبلية تحتاج معالجات وتطويرا بالعقلانية المستطاعة لإسعاد البشر.

والأمثلة متعددة فأغلب الدول الإسلامية في يومنا هذا لا تقطع يد السارق كما كان بالسابق، وتم استبدال العقوبة بالسجن أو التعزير أو الغرامة.

ورجم الزاني المحصن عطل في أغلب الدول الإسلامية، بقرارات حكومات متوازنة متطلعة للأفضل، وشجاعة مراكز إفتاء متفهمة للحال، تسعى للأفضل والأحوط في حياة المسلم، فلم يعد يعمل بالرجم.

ومن المعضلات الحالية والتي ما زالت تحتاج دراسة ومعالجة جذرية، عمليات التبني التي توقف الاجتهاد عاجزا عندها، رغم ما تسببه من أمراض نفسية وقضايا مجتمعية غائرة، بحق أيتام ولقطاء حرموا من عمليات التبني، وأخضعوا لكفالة ورقية بشروط ومحاذير عسيرة، وصعوبات مجتمعية، ليتيم حرم من الحصول على دفء أسرة بديلة حقيقية، ولا يحمل اسمها الكامل، ويظل ممنوعا من الاختلاط مع بعض أفرادها، ما يسبب له العقد والحالات النفسية الكئيبة، واحتمالية بلوغ مناطق الضياع، في معترك أحداث من الإرهاصات، وتحطيم كثير من الأسر المحرومة من الذرية، ضمن تعقيدات فقهية يمكن تدارسها وإعادة ضبطها.

تمكين آلية التبني ستساعد على تبرئة الأطفال من ذنب لم يكن لهم فيه يد، فيندرجون بين أهاليهم الجدد بقانون صريح وسرية ومحبة، وتثبت بنوتهم الشرعية مع معرفة اختلاف تحليل الجينات الوراثية، ووصية ملزمة، فلا يعود يجحدهم الورثة بعد وفاة المتبني، وفرض ضمانات حقوقية ترحم مشاعرهم وقيمتهم.

مقالي اليوم نداء إنساني لهيئة كبار العلماء، والسلطات القادرة على التدخل، لترميم أساسيات التبني ومفاهيمه وأنسنته، وتأكيد شرعيته ومنع عنصرية أسرية مجتمعية مقيتة، وبكونه حياة لذوي الألباب، يحتاج فقط لشجاعة اجتهاد متفهمة سامية متناسبة مع عصرنا، ولصالح فئة منا أهملت طويلا ونسيت.

أقول قولي هذا، راجيا أن تصادف كلماتي عقولا متفتحة تقدر نزاهة الفكرة ولا تسمم البئر، ولا تتهم بالجرأة على الفتوى، أو الازدراء.

وأدعو الله أن يبعدنا عن عقول متكلسة تعجز حتى عن عقد المقارنات المنطقية البسيطة المتوازنة بين قضية التبني، وبين ما سبق وتم تعديله أو تعطيله أو فرضه من حدود وقوانين شرعية في السابق.

(ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا).

جعلنا الله ممن يحيون.

shaheralnahari@