خالد العويجان

وطن بلا جماعة خير من جماعة بلا وطن

الأحد - 08 سبتمبر 2024

Sun - 08 Sep 2024

الملف شائك، وطرقه مليئة بالألغام. والكتابة وتقليب أوراق "محظورة"، لجماعات "إرهابية" أشبه بالاقتراب من أعشاش الدبابير.

لكن الصحافة الحرة؛ والأعمدة الأسبوعية؛ تمنح الحق لكاتبها ما لا يستحقه غيره.

بعيدا عن التنظير، فقد أشبعت جماعات الإسلام السياسي بالحديث والكتابة. لكن الأمر يخضع لرؤية الشخص الراغب في نبش ماضيها وحاضرها، على أساس أن النظر للأشياء بوضعها وحجمها الطبيعيين، فرضية تلغي العاطفة والتبسيط، التي قد تؤدي للتكرار، واللت والعجن.

وأكبر خطر هو فتح مثل هذا الملف الذي قد تكون تجاوزته الأمة. إنما فالمصالحة التي روجت لها جماعة الإخوان المسلمين أواخر أغسطس الماضي مع الشقيقة مصر؛ أمر مغري ومثير ويستحق عناء البحث والكتابة.

وفي الحقيقة فإن دعوة تسامح الجماعة مع مصر، التي أطلقها حلمي الجزار نائب القائم بعمل المرشد العام للجماعة، يشوبها كثير من الشبهات، وهذا يتأكد من إشارتها إلى اعتزالها السياسة لـ15 عاما.

والسؤال؛ ماذا بعد الـ15 عاما؟ هل ستعود لممارسة السياسة؟ أم ستنتهج الدعوة التي أسست من أجلها الجماعة على يد حسن البنا قبل أكثر من 90 عاما؟ بنظري؛ فهذه الخطوة تؤكد عدة أمور، أولا: أن الجماعة تعاني من إشكالات كبرى في التمويل والتنظيم، وخلافات عميقة سببها عدم التوافق على تسمية رأس يملك حق قيادتها.

ثانيا: تعتبر الدعوة تنازلا كبيرا من الجماعة، وهي نتاج للضغط الممارس ضد عناصرها بالخارج، من دول سئمت تواجدهم على أراضيها.

وتلك الدول أدركت الخطر المحدق الذي قد ينعكس عليها، نظير سياسة الاحتواء التي قامت على الابتزاز السياسي لا الموافقة على أفكار الجماعة، فقد استوعبت مؤخرا أن اكتساب تنظيم إرهابي مقابل التفريط بعلاقة استراتيجية مع دولة كمصر، خسارة فادحة.

وهذا ما دفع تركيا لطرد وترحيل أعداد كبيرة متواجدة في مدنها، عاشوا سنوات بكل حرية مطلقة، وأسسوا منصات إعلامية للتصادم مع العالم العربي المعتدل. والخطوة المنتظرة، أن تقدم المملكة المتحدة على ذلك، باعتبارها تحتضن نسبة لا يستهان بها من أعضاء الجماعة المتطرفة.

صحيح أن الحكومة المصرية نفت ذلك - أعني دعوة المصالحة -، إنما النفي لا يعني عدم وجود تلك المبادرة. أتصور أن الإنكار الحكومي في القاهرة له أسباب سياسية، أهمها تجديد تأكيدها على رفض الجماعة، في الحياة السياسية والعامة، وبمثابة قطع الطريق أمام أي شكل للنفوذ الاجتماعي في الشارع المصري.

ومن ثم فإن الإدارة المصرية تريد الإيحاء للرأي العام المحلي والعالمي، بأن الوقت قد مضى على الجماعة، وتم تجاوزها ووضعها في صفحات الماضي.

وبرأيي أن لدى القاهرة مبررات أخرى. ما هي؟

أولا: الجماعة في نظر السلطات المصرية إرهابية، وحتى في تصنيف دول الخليج كالسعودية والإمارات والبحرين فهي كذلك، وقبول التصالح مع الإرهاب، يعني منح الضوء الأخضر إما لعودة التطرف، أو لولادة جماعات جديدة تنتهج السلوك التخريبي.

ثانيا: لا يمكن إعادة الروح، لجماعة في أصلها منحل؛ فذلك سيكون بمثابة تعبيد الطريق للحاقدين لممارسة العنف، ومن ثم اللجوء لفتح صفحة جديدة، وهذا اسمه وصفته سماح رسمي بالفوضى، ولا قول غير ذلك.

ثالثا: لا تستطيع مصر التسامح مع طرف، ثبت بالدليل القاطع تآمره على الدولة مع الخارج.

رابعا وهذا أكثر أهمية: فإن نسيان الماضي وفتح صفحة جديدة مع الجماعة سيؤجج أهالي الضحايا، ممن خسروا أبناءهم في حماية الدولة، إبان مرحلة مواجهة جماعة الإخوان المسلمين، التي ذهب على يدها آلاف من أبناء الوطن المخلصين، سواء من الجيش أو قوى الأمن، وحتى المواطنين.

خامسا: أي قبول لعودة جماعة الإخوان سيفقد الدولة مصداقيتها وصرامتها في القول والعمل، ويتضح أنها دولة بلا قرار قطعي، وهذا مضر من الناحية السياسية بالدرجة الأولى، ومن ناحية نظرة الإنسان المصري بالدرجة الثانية.

أتصور أن جماعة الإخوان المسلمين، تعتقد بأن جميع الأوراق متاحة لها، لبلوغ إعادة أفكارها ومنهجيتها.

فلا تزال قضية موازاة الدول والحكومات في الوزن والقيمة، استنادا على المؤيدين والمقتنعين بأيديولوجيتها السياسية، مسيطرة على ذهنية القيادات المتبقية منها.

والعامل الأكثر خطورة هو الاعتماد على عدم الخذلان من أذرعة الإسلام السياسي الأخرى، كالسلفيين على سبيل المثال لا الحصر.

وهذا يمكن فهمه من رواية الدكتور حمد العيسى، في كتابه "هكذا تأخون السلفيون: مصر والكويت أنموذجين".

يرى الدكتور العيسى أنه بمجرد دخول السلفيين بشكل كامل في الحياة السياسية، فإنهم مضطرون قسرا إلى مراجعة منهجهم، لتعزيز قضية الإسلام في اتجاه يتحرك أقرب من أي وقت مضى نحو النموذج الأيديولوجي للإخوان المسلمين، ولذلك سيصبح هذا اختيارا حاسما وحتميا بالنسبة لهم.

ومن ذلك يمكن استشعار أن الجماعة تضع في حسبانها توظيف السلفيين كذراع تابع لها، ويمكن تجييره لصالحها.

بمعنى أن السلفيين باتوا ضمن تكتل الإسلام السياسي الأخطر في المنطقة، وهذا يعني أن الخطر اتسع، وأن الشعارات الدينية ما هي إلا جسر لتنفيذ مخططات الجماعة، لأنهم خونة وقتلة، خرجوا من بواطن التطرف وأجادوا التلون والتحول من معسكر لآخر.

إن ملعوب الرغبة بالمصالحة؛ يهدف إلى استغباء الحكومات والشعوب من خلال إبداء حسن النوايا، ليصل الأمر إلى إشعال النار بالجميع، فهذا مخطط إخواني قذر ومكشوف، الهدف منه تخليد ذكرى مسيرة الجماعة في صفحات المظلومية.

في يقيني، أنهم لن يحصلوا على ذلك، لأنهم نفقوا في السياسة وفي أوساط الرأي العام، وانكشفوا، ولا مستقر لهم إلا مزبلة التاريخ.

وإن كانوا أصحاب حجة ورجالا؛ فليواجهوا شعوبا تثق بأن وطنا بلا جماعة.. خير من جماعة بلا وطن.