علي المطوع

أصالة عن أمريكا ونيابة عن الغرب!

الأحد - 01 سبتمبر 2024

Sun - 01 Sep 2024

على الطرف الشرقي من العالم تدور رحى حرب طاحنة بين الغرب وروسيا، توغل أوكراني مفاجئ في الأراضي الروسية، وهذا طبيعي في الصراعات العسكرية، فالحرب الطويلة تعني استنزافا للخصمين، وبالتالي يحصل ارتداد لأحدهما من حالة الهجوم إلى التموضع الدفاعي، في انتظار شجاعة الآخر ليقوم بهجوم جديد يسمح لخصمه برد التحية بمثلها، ولكن بعد أن يمتص صدمة الهجوم الأول ثم يعود ليمارس عمليات الهجوم المضاد.

هذا هو ملخص حالة الحرب الروسية الأوكرانية، كر وفر ودعم غربي غير محدود للأوكرانيين، يقابله كبرياء روسي يحاول لملمة جراحه العديدة والخروج من هذا النفق المظلم، الذي يبدو أنه كان وما زال فخا أحكمت صياغته لإعادة صياغة واقع روسيا وحجم تأثيرها في العالم.

في الشرق الأوسط وبرعاية غربية أيضا تدور رحى صراع غير متكافئ بين فصائل شبه مسلحة وجيش نظامي يتسلح بإرادة غربية، قبل أن يتسلح بإمكانات عسكرية تفوق الوصف، الجيش الإسرائيلي يدير حالة عدوان غير مسبوقة في مساحة ضيقة من الأرض، عشرة أشهر وزيادة، والعدوان الإسرائيلي يسرح ويجرح في غزة، في عمليات فردية لأفراد شبه عزل؛ عطلت وآلمت جيشا جرارا تعود أن ينهي صراعاته في حروب خاطفة، يخطف من خلالها أسبقية تجعله الأفضل موقفا على الأرض وعلى طاولة المفاوضات فيما بعد.

أمريكا في الشرق الأقصى وفي الشرق الأوسط تدير كلا الصراعين مستميتة ومحاولة أن تفرض واقعها السياسي على الجميع لتظل القوة الأعظم حتى حين.

ترى لو انتصرت روسيا في الحرب التي تخوضها مع جارتها أوكرانيا، ما هو انعكاس ذلك على العالم؟.

يبدو أن أمريكا ومعها الغرب مستميتون في إطالة أمد حرب الشرق الأقصى، وذلك لاستنزاف روسيا وجرها إلى مستنقع لن تستطيع الخروج منه إلا بتنازلات تجعل الغرب قادرا على زعزعة مكانها ومكانتها الدولية، فروسيا البوتينية تشكل حالة من التمرد والعصيان ينبغي قمعها وإعادتها إلى الواقع الذي يريده الغرب وأمريكا تحديدا.

انتصار روسيا يعني زيادة نفوذها في الشرق وربما ينسحب هذا الانتصار على واقع جارتها العظمى الصين، لتتجرأ هي الأخرى على ممارسة حقها في السيطرة على جوارها الذي ما زال ينعم بالحماية الغربية، هذا الشيء يزعج أمريكا ويجعلها تستميت من أجل وأد كل طموحات المشرقيين ومحاولاتهم المستميتة لصناعة إمبراطورياتهم العظمى ليعيدوا تشكيل العالم وفق واقع جديد ما زال حلما يسعون لتحقيقه.

أما حرب غزة فهي من أغرب الحروب وأشرسها، فحماس وبإمكانات بدائية بادرت في هجوم مفاجئ وغير مسبوق لتجرد إسرائيل من هيبتها كقوة عسكرية لا تقهر، هذه العملية غيرت مفاهيم الصراع في غزة، ودفعت بإسرائيل لتمارس عربدة غير مسبوقة في المنطقة، الغريب أن محور الممانعة ما زال يحتفظ بحق الرد الذي ربما لا يستطيع الوفاء به مع تقادم الأحداث، وزيادة وحشية إسرائيل في المنطقة، وهذا ما جعل الغرب يماطل في وقف هذا العدوان، لإعطاء حليفتهم إسرائيل كل الأسباب والمسببات لزيادة الضغط على المدنيين قتلا وقهرا وتشريدا.

الحكم على هذه الحرب وهي مستعرة غير منطقي، وسياقات هذا العدوان يشي بأنها لم تكتمل بعد، ولكن الضرورة التاريخية تحتم على الدارسين العرب إعادة النظر في تقييم هذه الحرب، ودراسة دوافعها وظروفها التي دفعت الأطراف كافة للانخراط فيها، وهذا لن يكون إلا بعد أن تضع الحرب أوزارها، ويتحمل كل طرف أمام التاريخ وزر ما اقترفه تجاه نفسه والآخرين.

أمريكا كعادتها تدير صراعاتها بالوكالة وتدفع الأطراف كافة لفوضى عارمة، شيء من الفوضى يدور حول روسيا وفوضى جديدة في غزة، المفارقة أن الغرب وأمامه أمريكا يحاول الموازنة بين إنسانيته (المتوحشة) وبين ضرورات إبقاء العالم الثالث تحت وصايته، وهذا لن يتأتى ولن يكون إلا من خلال إشعال المناطق الملتهبة بحروب جديدة تتيح للسياسي الغربي إعادة ترتيب العالم وفق معطيات جديدة تقود إلى حقيقة واحدة، أن لا صوت يعلو على صوت الغرب ومديرته أمريكا.