عبدالله سعود العريفي

لماذا نكتب؟

الأربعاء - 28 أغسطس 2024

Wed - 28 Aug 2024

سؤال صغير قد يبعث على الحيرة أحيانا ويتسبب في الدهشة أحيانا أخرى وتتردد أصداؤه من حين لآخر ويلوح في الفكر ويخطر ذكره على البال ويتردد في المخيلة، وقد يلازم الكثير من المهتمين بموضوع الكتابة باستمرار باحثا عن إجابة تحمل على الإقناع والموافقة مفاد ذلك السؤال "لماذا نكتب؟" وقد يكون من المحتمل أنه سؤال مألوف وتأثيره معتاد وصداه مأنوس ولكن إجابته والرد عليه يحتاج لانتزاع الإجابة واستخراج الرد من مكنونات النفس والعقل المتخفية وراء أحداث الحياة وإيقاعها السريع الذي بات يسيطر على الإنسان.

سؤال قد يظن من يسمعه أو يقرأه عدم تعمقه ويتصور للوهلة الأولى أنه سؤال سطحي لا تعمق فيه ولكنه - في الحقيقة - أعمق وأبعد، وذلك بسبب أنه قد يضيء للعقل الكثير من الزوايا وقد يفتح للتفكير العديد من الأبواب، ويجعل الواقع يغذي الخيال ويلهمه ويحفزه على الإبداع، وقد لا يتاح للقارئ أن يلاحظ ولا يتسنى له أن يدرك الطريقة التي ينظر بها الكاتب، لكن شكل الكتابة يعكس ذلك الأمر بوضوح وصفاء تام؛ فالكتابة ليست مجرد حروف تكتب بلا هدف ولا سبب، بل هي رغبة وشعور يعيشه الكاتب كل يوم بماضيه وحاضره ومستقبله بأنه بحاجة إلى أن يمسك بالقلم فيسكب في سطوره ويفرغ في سجلاته ما يهتز في قلبه من بروق الخواطر، وما يدور في ذهنه من لوامع الآراء، وما يختلج في مخيلته من خيوط نسيج الأفكار؛ فهي أداة الإبداع ووسيلته يعبر بواسطتها الإنسان عن أفكاره ويبرز ما لديه من معان ومفاهيم، وهي بمثابة صديق أبدي يحكى له عن كل ما يدور في العقل، وتتكون لديه صور أكثر اتساعا وأكبر رحابة وأعلى امتدادا، وتصير الخبرات أعم وتكون التجارب أوسع وتصبح الممارسات أشمل من مجرد فضفضة وإظهار ما في النفس، وينمو لديه من الوعي وإدراك الأمور على حقيقتها وإدراكه ذاته وأحواله وأفعاله إدراكا مباشرا ما يجعل لديه القدرة والاستطاعة على تفكيك إشارات رموز المواقف؛ فيكون متهيئا ويبقى مترقبا لأي فرصة تشحذ ذهنه وتذكي الإبداع في مخيلته، وتخرجه من جو الرتابة المملة بعبارات تبعث في نفسه الهدوء والسكينة لتبقى لذة الحروف المتشابكة في بحور الكلمات هي الأمتع والأجمل، والتي تفوق بكثير متاعبها؛ فيبقى متحفزا في كل وقت وظرف، ويكون متربصا بأي فرصة قد تمرق أمامه فتشحذ ذهنه وتذكي الإبداع في مخيلته.

وحينما يشتاق الكاتب للكتابة يعانق القلم بلا استئذان، وحينما يصمت قلمه وتقحط سماؤه وتجدب أرضه يحس بالحرمان وتتلاعب به أوهام الضياع، وما أصعب تركها لمن تزاحمت في عقله لمحات الأنوار وتلجلجت في صدره الأفكار وباتت تناجيه.

لا شك أن التمسك بالكتابة والتعلق بها وغمرها بالصدق واكتنافها بالرعاية وملؤها بالوفاء يبقيها ظلا ممتدا وحديقة غناء كثيرة العشب والشجر، وإسباغ أصدق المشاعر عليها ومنحها أجمل الأحاسيس وسقيها بأتم الاهتمام وريها بأكمل الاعتناء يجعلها تربو مورقة طرية وتنبت يانعة مزهرة، وتصير ناضجة مشرقة وتؤتي ثمارها ولو بعد حين.