عودة الإمبراطوريات والاكتفاء الذاتي
الاثنين - 26 أغسطس 2024
Mon - 26 Aug 2024
في كتاب أسس الجيوبوليتكا للمؤرخ والفيلسوف الروسي ألكسندر دوغين، يركز على فكرة الأوراسية كشرط أساسي لعودة روسيا كإمبراطورية تاريخية ثالثة بعد الإمبراطوريتين القيصرية والسوفيتية، حيث يرى دوغين أن أمريكا وروسيا قوتان عالميتان لديهما شبه اكتفاء ذاتي، مقابل أوروبا التي تعاني من نقص الموارد الطبيعية لا سيما في مجال الطاقة، وكأنه ينفي عنها وصف الإمبراطورية رغم نجاح الوحدة التي حققتها، وهنا يظهر دوغين روسيا مقابل الولايات المتحدة كرمزية لإعادة الثنائية القطبية العالمية التي كانت سائدة بعد الحرب العالمية الثانية، المتغير هنا هو تحول الصراع من الأديولوجيا (الرأسمالية/الاشتراكية) إلى النفوذ الجيوسياسي الذي يركز عليه دوغين كثيرا، ولذا نجده يكرر مفهوم عودة روسيا كقوة عالمية مؤثرة في المناطق الحيوية (إمبراطورية) تحت شعار العودة إلى إعادة التمركز اللائق لموسكو في الخارطة الدولية، وفرض التوازن الاستراتيجي الجديد على العالم.
من أجل تحقيق هذه الأهداف ركزت الاستراتيجية الروسية على عاملين ثقافيين أساسيين، أولا تعميق الوحدة والهوية الوطنية من أجل مواجهة الهوية الأوروبية بعرقياتها المتنوعة، وثانيا تعميق الهوية الأرثوذوكسية الشرقية المسيحية مقابل المسيحية الغربية بشقيها البروتستانت والكاثوليك، هذه الاستراتيجية ترتكز على عمق ثقافي وهوياتي لمواجهة الغرب في الصراع الدائر.
بين روسيا والغرب تظهر دولة عملاقة اسمها الصين، بدأت نهضتها عبر الزعيم التاريخي دنج هسياو بنج الذي خط لبكين استراتيجية الهدوء والسير ببطء دون إثارة الآخر، من أجل الوصول إلى غاية الاكتفاء الذاتي، وذلك بالتستر على المزايا والمواهب الصينية في الصناعة والتجارة واستغلال الفرص المتاحة في وقتها، وهكذا نجحت الصين أن تسير نحو هدفها المنشود بطرق هادئة دون إثارة الغرب أو استفزازه، ولعل هذا النهج غير موجود في الذهنية الروسية التي وقعت في فخ الحرب الأوكرانية والصراع الدائر حاليا، فقد تعاملت بكين بذكاء وحرص في أزمتها مع تايوان ووقفت في منتصف الطريق، فلم تسمح لتايوان أن تخرج عن سيطرتها نحو الغرب وفي الوقت نفسه لم تقع في فخ الحرب.
تحاول بكين أن تقدم أنموذجا متكاملا للعالم يتباين عن النموذج الرأسمالي/الديمقراطي الغربي، وقد نجحت الصين إلى حد ما في تقديم هذا النموذج الذي حول الصين من دولة نامية إلى ثاني أقوى اقتصاد في العالم، فالنهج الصيني لم يسلك المسار التاريخي المعهود عن تاريخ الإمبراطوريات وهو مسلك القوة، ولذا نجد بكين تحاول كما أسلفنا أن تتعامل مع الأزمات باحترافية حتى لا تقع في الصدام العسكري مع الغرب أو حلفائه، فنجاح الأنموذج الصيني يعود إلى تكامليته في الأصعدة كافة، من أجل الوصول إلى أقصى حد من الاكتفاء الذاتي، فحققت بكين طموحاتها في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا، وهي الآن ترفع طموحها من أجل أن تكون حصتها 50% في الاقتصاد العالمي.
تحاول بكين وموسكو تقويض النموذج الغربي السائد الذي تقوده واشنطن منذ 80 عاما، حيث تحتضن الولايات المتحدة معظم الهيئات الدولية التي تقود النظام العالمي، ولا تزال رغم كل الأزمات السياسية والاقتصادية إمبراطورية لديها التأثير الكبير على مسار القضايا الدولية، وهنا يأتي التساؤل المهم، هل فكرة الاكتفاء الذاتي شرط لنجاح أنموذج الإمبراطورية، والتي سعى الأنموذجان الروسي والصيني إلى تبنيها خلال الـ25 عاما الماضية؟، وبالتالي ما يحصل الآن هو مشهد تاريخي لعودة زمن الإمبراطوريات ولكن بصورة محدثة.
albakry1814@
من أجل تحقيق هذه الأهداف ركزت الاستراتيجية الروسية على عاملين ثقافيين أساسيين، أولا تعميق الوحدة والهوية الوطنية من أجل مواجهة الهوية الأوروبية بعرقياتها المتنوعة، وثانيا تعميق الهوية الأرثوذوكسية الشرقية المسيحية مقابل المسيحية الغربية بشقيها البروتستانت والكاثوليك، هذه الاستراتيجية ترتكز على عمق ثقافي وهوياتي لمواجهة الغرب في الصراع الدائر.
بين روسيا والغرب تظهر دولة عملاقة اسمها الصين، بدأت نهضتها عبر الزعيم التاريخي دنج هسياو بنج الذي خط لبكين استراتيجية الهدوء والسير ببطء دون إثارة الآخر، من أجل الوصول إلى غاية الاكتفاء الذاتي، وذلك بالتستر على المزايا والمواهب الصينية في الصناعة والتجارة واستغلال الفرص المتاحة في وقتها، وهكذا نجحت الصين أن تسير نحو هدفها المنشود بطرق هادئة دون إثارة الغرب أو استفزازه، ولعل هذا النهج غير موجود في الذهنية الروسية التي وقعت في فخ الحرب الأوكرانية والصراع الدائر حاليا، فقد تعاملت بكين بذكاء وحرص في أزمتها مع تايوان ووقفت في منتصف الطريق، فلم تسمح لتايوان أن تخرج عن سيطرتها نحو الغرب وفي الوقت نفسه لم تقع في فخ الحرب.
تحاول بكين أن تقدم أنموذجا متكاملا للعالم يتباين عن النموذج الرأسمالي/الديمقراطي الغربي، وقد نجحت الصين إلى حد ما في تقديم هذا النموذج الذي حول الصين من دولة نامية إلى ثاني أقوى اقتصاد في العالم، فالنهج الصيني لم يسلك المسار التاريخي المعهود عن تاريخ الإمبراطوريات وهو مسلك القوة، ولذا نجد بكين تحاول كما أسلفنا أن تتعامل مع الأزمات باحترافية حتى لا تقع في الصدام العسكري مع الغرب أو حلفائه، فنجاح الأنموذج الصيني يعود إلى تكامليته في الأصعدة كافة، من أجل الوصول إلى أقصى حد من الاكتفاء الذاتي، فحققت بكين طموحاتها في الصناعة والزراعة والتكنولوجيا، وهي الآن ترفع طموحها من أجل أن تكون حصتها 50% في الاقتصاد العالمي.
تحاول بكين وموسكو تقويض النموذج الغربي السائد الذي تقوده واشنطن منذ 80 عاما، حيث تحتضن الولايات المتحدة معظم الهيئات الدولية التي تقود النظام العالمي، ولا تزال رغم كل الأزمات السياسية والاقتصادية إمبراطورية لديها التأثير الكبير على مسار القضايا الدولية، وهنا يأتي التساؤل المهم، هل فكرة الاكتفاء الذاتي شرط لنجاح أنموذج الإمبراطورية، والتي سعى الأنموذجان الروسي والصيني إلى تبنيها خلال الـ25 عاما الماضية؟، وبالتالي ما يحصل الآن هو مشهد تاريخي لعودة زمن الإمبراطوريات ولكن بصورة محدثة.
albakry1814@