الغوغاء وصناعة الرأي العام
الأحد - 25 أغسطس 2024
Sun - 25 Aug 2024
في ظل حالة التيه التي نعيشها في المشهد الإعلامي جراء انعدام تلك المنصة الخبرية الموثوقة بمحتواها ومضمونها، والتي لا تنطلق من بعد أيديولوجي مكشوف، مع إيماني بأن التجرد المهني يكاد يكون مستحيلا، تذكرت لفظة تراثية ألفنا قراءتها وسماعها حين الغوص في سياقات موروثنا، ألا وهي الغوغاء والدهماء، وكلتاهما تدلان بوجه أو بآخر على ذات المضمون، حيث يشير معناهما إلى عامة الناس وسوادهم ممن يزيد لغطهم وصياحهم في كل نازلة، ومع أي حدث، فتراهم ينعقون مع كل ناعق، ويميلون مع كل ريح، إذ هم كما ورد عن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: الذين إذا اجتمعوا ضروا، وإذا تفرقوا نفعوا؛ فقيل: قد عرفنا مضرة اجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ فقال الإمام: يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم، فينتفع الناس بهم، كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه.
هكذا وبشكل بسيط أبان الإمام علي كرم الله وجهه عن صفات من يكون له الرأي، ومن يجب أن يسمع له حين تدلهم الخطوب، فهم العلماء والحكماء وأصحاب الرأي الأشمل من ذوي الاختصاص وأهل المعرفة والحكمة الأسمى، ولا يعني أن أصحاب المهن لا رأي لهم، بل هم ضنينون بما يخصهم، وأعرف الناس بشؤونهم وحسب.
في هذا السياق يحضرني جواب آخر للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين سأله أحد الغوغاء قائلا: ما بالك وبال أصحابك من قبلك (يقصد الخليفة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما)، اختلف الناس عليك ولم يختلفوا على من كان قبلك؟ فأجابه الإمام بقوله: لأنهم كانوا يتأمرون على أمثالي وأنا أتأمر على أمثالك، وفي رواية أخرى: لأن رعية أبي بكر وعمر كانوا مثلي ومثل عثمان، ورعيتي أنا اليوم مثلك وشبهك.
إذن هو الصراع على من يصوغ الرأي العام، ومن يفرض رأيه بعدئذ على صانع القرار، ولذلك فمن الحكمة ألا يترك الأمر سدى، وهو مدخل الغوغائية والدهماء، وإنما يجب أن تحكم آلية النقاش في إطار من يملك القدرة المنهجية والمهنية والحصافة، وهو ما ناديت به حين أشرت في مقالي الفائت إلى أهمية استعادة المؤسسات الصحفية الوطنية وإعادة هيكلتها وفق رؤية منهجية ومعايير الجودة والكمال المعاصرين، وذهنية المتلقي المتطورة، ودعمها لتكون منصة موثوقة يركن إليها الإنسان حين يرغب في استقصاء أي خبر، وحال تفاقم المخاطر، ودون أن يكون مضطرا لتتبع منصات خارجية، أو جهات خبرية غير معلومة الموقع والتوجه، أو يستمع لكثرة كاثرة من الدهماء والغوغائيين الذين تفلتوا علينا عبر وسائط التواصل، وجعلوا من أنفسهم محللين ومفكرين ليس في الشأن السياسي أو الديني وحسب، وإنما امتدادا إلى الشأن الاجتماعي والثقافي وغيره.
هكذا وبشكل بسيط أبان الإمام علي كرم الله وجهه عن صفات من يكون له الرأي، ومن يجب أن يسمع له حين تدلهم الخطوب، فهم العلماء والحكماء وأصحاب الرأي الأشمل من ذوي الاختصاص وأهل المعرفة والحكمة الأسمى، ولا يعني أن أصحاب المهن لا رأي لهم، بل هم ضنينون بما يخصهم، وأعرف الناس بشؤونهم وحسب.
في هذا السياق يحضرني جواب آخر للإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حين سأله أحد الغوغاء قائلا: ما بالك وبال أصحابك من قبلك (يقصد الخليفة أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما)، اختلف الناس عليك ولم يختلفوا على من كان قبلك؟ فأجابه الإمام بقوله: لأنهم كانوا يتأمرون على أمثالي وأنا أتأمر على أمثالك، وفي رواية أخرى: لأن رعية أبي بكر وعمر كانوا مثلي ومثل عثمان، ورعيتي أنا اليوم مثلك وشبهك.
إذن هو الصراع على من يصوغ الرأي العام، ومن يفرض رأيه بعدئذ على صانع القرار، ولذلك فمن الحكمة ألا يترك الأمر سدى، وهو مدخل الغوغائية والدهماء، وإنما يجب أن تحكم آلية النقاش في إطار من يملك القدرة المنهجية والمهنية والحصافة، وهو ما ناديت به حين أشرت في مقالي الفائت إلى أهمية استعادة المؤسسات الصحفية الوطنية وإعادة هيكلتها وفق رؤية منهجية ومعايير الجودة والكمال المعاصرين، وذهنية المتلقي المتطورة، ودعمها لتكون منصة موثوقة يركن إليها الإنسان حين يرغب في استقصاء أي خبر، وحال تفاقم المخاطر، ودون أن يكون مضطرا لتتبع منصات خارجية، أو جهات خبرية غير معلومة الموقع والتوجه، أو يستمع لكثرة كاثرة من الدهماء والغوغائيين الذين تفلتوا علينا عبر وسائط التواصل، وجعلوا من أنفسهم محللين ومفكرين ليس في الشأن السياسي أو الديني وحسب، وإنما امتدادا إلى الشأن الاجتماعي والثقافي وغيره.