تحولات مهمة في الحرب الأوكرانية
الأربعاء - 21 أغسطس 2024
Wed - 21 Aug 2024
فوجئ العالم بحدوث تطور نوعي لافت على صعيد الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والحديث هنا عن التوغل المفاجئ الذي نفذته القوات الأوكرانية داخل مدينة كورسك الروسية، وما يعنيه ذلك من انتقال الصراع إلى داخل الأراضي الروسية، فيما وصف بأول غزو لأراض روسية من قبل قوات أجنبية منذ الحرب العالمية الثانية.
ما حدث أن نحو 12 ألف جندي أوكراني، بحسب الرواية الروسية، قد عبروا الحدود واحتلوا أراضي بعمق نحو ستة أميال داخل روسيا، في تحول مغاير تماما لاتجاه الحرب التي ظلت منذ بدايتها تضع أوكرانيا في موقف دفاعي عدا فترات قلائل انتقلت فيها من الدفاع إلى الهجوم داخل حدودها ولكن الهجوم هذه المرة جرى داخل أراضي روسيا الاتحادية نفسها.
قرار الرئيس زيلينسكي باختراق حدود روسيا هو الأخطر من نوعه منذ بدء الحرب، فهو على الرغم من محدودية دلالاته العسكرية، فإنه ينطوي على أبعاد استراتيجية مهمة بعضها يتعلق بهيبة روسيا وكبريائها الوطني، ويصيب مباشرة كرامة الرئيس بوتين الذي يردد دائما حرصه على استعادة دور روسيا ونفوذها في العالم.
بلا شك أن هذا الاختراق العسكري الأوكراني قد أعاد الأزمة إلى الواجهة بقوة بعد أن انحسرت عنها الأضواء والاهتمام الدولي، حتى أنها لم تعد ترد في تصريحات القادة الغربيين أنفسهم المشغولين بمتابعة تطورات الحرب الدائرة في قطاع غزة، وتلك مسألة لا تعود فقط لأهمية إسرائيل بالنسبة لهؤلاء القادة وحساباتهم الانتخابية فقط، بل لأنهم وجدوا في هذه الحرب ضالتهم بعد أن فشلت كل مخططاتهم الرامية إلى تحقيق انتصار عسكري على روسيا، حتى أن حرب غزة قد باتت بمنزلة طوق إنقاذ لبعض القادة الغربيين، الذين روجوا طويلا لفكرة هزيمة روسيا في أوكرانيا.
الأرجح أن يقتصر العائد من الحراك الأوكراني على مكاسب تكتيكية محدودة مثل تجديد الثقة لدى الأوكرانيين وتذكير العالم بحربهم مع روسيا، واستعادة الزخم الذي تلاشى بسبب طول أمد الحرب وفشل أي من الطرفين في حسمها عسكريا، ناهيك عن إخفاق الحلول السياسية المطروحة مرارا، فضلا عن تراجع الدعم المادي والعسكري الغربي لأوكرانيا لأسباب عديدة رغم الوعود السابقة بمواصلة دعم كييف مهما كان الثمن.
بلا شك أن حرب أوكرانيا قد تحولت إلى مستنقع للطرفين معا، وباتت حرب استنزاف باهظة التكلفة المادية والبشرية والاستراتيجية، ويبدو أن اتهام الرئيس بوتين لحلف الناتو بالوقوف بل والمشاركة في الاختراق الأوكراني الأخير، قد يكون بداية لفصل جديد في هذا الصراع الدامي، لأن ما حدث يمثل بالفعل انتقاصا من قدر روسيا ومكانتها كقوة نووية عظمى، وهو السبب نفسه الذي يجعلها أيضا نفكر كثيرا قبل الرد على هذا الاختراق، لتفادي استدراجها في حرب كبرى قد لا تكون في مصلحتها على الأقل في الوقت الراهن.
في هذا التوقيت والتزامن اللافت بين موقفي روسيا وإيران وأزمتهما في الرد على ما يعتبرانه إهانة وطنية، نجد العالم يقف بالفعل على حافة خطيرة، لكنني لا أراها تحمل جينات حرب عالمية ثالثة قد لا يرغب فيها الطرفان بالنظر لحجم الخسائر المتوقعة والكلفة الباهظة التي يتحملانها في حال نشوب هذه الحرب، ولكن هذا التحليل لا ينفي الاختلاف الكبير في شخصية القيادتين الروسية والإيرانية، بمعنى أن الرئيس بوتين قد يكون أكثر ميلا بمراحل للانتقام الشديد المحسوب بدقة ردا على الاختراق الأوكراني، لا سيما أن يدرك تماما أن دول الناتو ستحجم عن توسيع نطاق الحرب خلال هذه الفترة، سواء لتفادي توسيع نطاق الحرب لتشمل أوروبا كلها، أو بسب انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية وصعوبة تبني أي قرار من العيار الثقيل للدفاع عن أمن أوروبا، ناهيك عن تركيز واشنطن الكبير خلال هذه الفترة في حماية إسرائيل في مواجهة التهديدات التي تطالها من إيران ووكلائها في الشرق الأوسط.
بلا شك أيضا أن ما يرجح كفة الانتقام الروسي هو حجم الاختراق الأوكراني، فما حدث ليس اغتيالا لشخصية سياسية مهما كان وزنها على أرض روسية كما حدث في الحالة الإيرانية، بل اجتياح واحتلال لمساحة ليست قليلة من الأراضي الروسية قال الرئيس زيلينسكي إنها تقدر بحوالي 1000 كلم2 من الأراضي الروسية، والسيطرة على 28 منطقة سكنية وفرار نحو 200 ألف روسي من منازلهم بحسب مسؤول روسي، لدرجة حديث كييف عن إمكانية فرض الحكم العسكري في منطقة كورسك الروسية، وهو ما دفع الرئيس بوتين للوعد بـ"رد لائق" على أوكرانيا، وذلك بالنظر إلى المغزى السياسي والاستراتيجي لما حدث بغض النظر عن المساحة الجغرافية التي استطاع الجيش الأوكراني اختراقها، وفي ضوء تأثير العملية نفسها في الداخل الروسي والشعور العام بالأمن لا سيما أن اختراق الجيش الأوكراني يعيد لذاكرة الجماعية الروسية الاختراق القريب الذي نفذته ميليشيات "فاغنر" منذ نحو عام تقريبا، حين زعمت الوصول إلى مساقة 120 ميلا من العاصمة موسكو.
هناك توقعات بأن يؤدي الهجوم الأوكراني المضاد إلى تعزيز موقف كييف في أي مفاوضات سلام محتملة، ولكن من الصعب القطع باحتمالية انعقاد أي مفاوضات سلام من الأساس، قبل أن تنفذ روسيا ما تعتقد أنه رد لكبريائها الوطني، بل ربما يدفعها هذا الهجوم للمزيد من التشدد السياسي وتوسيع دائرة القتال في عمق أوكرانيا، وربما إنهاء فكرة الحوار السياسي من الأساس، أو على الأقل لما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
لكن من الصعب بناء توقعات دقيقة حول موقف القوات الروسية في أوكرانيا بعد هذا الاختراق الأوكراني، حيث تلعب المسيرات الأوكرانية دورا مهما في ملاحقة الجيش الروسي، ويتحول التركيز الروسي باتجاه الدفاع عن الحدود ومنع تكرار هذه الاختراقات، وربما كان هذا هو الهدف من التخطيط للاختراق، وهو تشتيت انتباه الجيش الروسي ودفعه لإعادة الانتشار وسحب القوات من المناطق الأوكرانية التي يسيطر عليها ويسعى لترسيخ الوجود الروسي بها، وفي جميع الأحوال يبدو أن الحرب الأوكرانية - الروسية ستشهد فصلا أكثر دموية خلال المرحلة المقبلة.
drsalemalketbi@
ما حدث أن نحو 12 ألف جندي أوكراني، بحسب الرواية الروسية، قد عبروا الحدود واحتلوا أراضي بعمق نحو ستة أميال داخل روسيا، في تحول مغاير تماما لاتجاه الحرب التي ظلت منذ بدايتها تضع أوكرانيا في موقف دفاعي عدا فترات قلائل انتقلت فيها من الدفاع إلى الهجوم داخل حدودها ولكن الهجوم هذه المرة جرى داخل أراضي روسيا الاتحادية نفسها.
قرار الرئيس زيلينسكي باختراق حدود روسيا هو الأخطر من نوعه منذ بدء الحرب، فهو على الرغم من محدودية دلالاته العسكرية، فإنه ينطوي على أبعاد استراتيجية مهمة بعضها يتعلق بهيبة روسيا وكبريائها الوطني، ويصيب مباشرة كرامة الرئيس بوتين الذي يردد دائما حرصه على استعادة دور روسيا ونفوذها في العالم.
بلا شك أن هذا الاختراق العسكري الأوكراني قد أعاد الأزمة إلى الواجهة بقوة بعد أن انحسرت عنها الأضواء والاهتمام الدولي، حتى أنها لم تعد ترد في تصريحات القادة الغربيين أنفسهم المشغولين بمتابعة تطورات الحرب الدائرة في قطاع غزة، وتلك مسألة لا تعود فقط لأهمية إسرائيل بالنسبة لهؤلاء القادة وحساباتهم الانتخابية فقط، بل لأنهم وجدوا في هذه الحرب ضالتهم بعد أن فشلت كل مخططاتهم الرامية إلى تحقيق انتصار عسكري على روسيا، حتى أن حرب غزة قد باتت بمنزلة طوق إنقاذ لبعض القادة الغربيين، الذين روجوا طويلا لفكرة هزيمة روسيا في أوكرانيا.
الأرجح أن يقتصر العائد من الحراك الأوكراني على مكاسب تكتيكية محدودة مثل تجديد الثقة لدى الأوكرانيين وتذكير العالم بحربهم مع روسيا، واستعادة الزخم الذي تلاشى بسبب طول أمد الحرب وفشل أي من الطرفين في حسمها عسكريا، ناهيك عن إخفاق الحلول السياسية المطروحة مرارا، فضلا عن تراجع الدعم المادي والعسكري الغربي لأوكرانيا لأسباب عديدة رغم الوعود السابقة بمواصلة دعم كييف مهما كان الثمن.
بلا شك أن حرب أوكرانيا قد تحولت إلى مستنقع للطرفين معا، وباتت حرب استنزاف باهظة التكلفة المادية والبشرية والاستراتيجية، ويبدو أن اتهام الرئيس بوتين لحلف الناتو بالوقوف بل والمشاركة في الاختراق الأوكراني الأخير، قد يكون بداية لفصل جديد في هذا الصراع الدامي، لأن ما حدث يمثل بالفعل انتقاصا من قدر روسيا ومكانتها كقوة نووية عظمى، وهو السبب نفسه الذي يجعلها أيضا نفكر كثيرا قبل الرد على هذا الاختراق، لتفادي استدراجها في حرب كبرى قد لا تكون في مصلحتها على الأقل في الوقت الراهن.
في هذا التوقيت والتزامن اللافت بين موقفي روسيا وإيران وأزمتهما في الرد على ما يعتبرانه إهانة وطنية، نجد العالم يقف بالفعل على حافة خطيرة، لكنني لا أراها تحمل جينات حرب عالمية ثالثة قد لا يرغب فيها الطرفان بالنظر لحجم الخسائر المتوقعة والكلفة الباهظة التي يتحملانها في حال نشوب هذه الحرب، ولكن هذا التحليل لا ينفي الاختلاف الكبير في شخصية القيادتين الروسية والإيرانية، بمعنى أن الرئيس بوتين قد يكون أكثر ميلا بمراحل للانتقام الشديد المحسوب بدقة ردا على الاختراق الأوكراني، لا سيما أن يدرك تماما أن دول الناتو ستحجم عن توسيع نطاق الحرب خلال هذه الفترة، سواء لتفادي توسيع نطاق الحرب لتشمل أوروبا كلها، أو بسب انشغال الولايات المتحدة بالانتخابات الرئاسية وصعوبة تبني أي قرار من العيار الثقيل للدفاع عن أمن أوروبا، ناهيك عن تركيز واشنطن الكبير خلال هذه الفترة في حماية إسرائيل في مواجهة التهديدات التي تطالها من إيران ووكلائها في الشرق الأوسط.
بلا شك أيضا أن ما يرجح كفة الانتقام الروسي هو حجم الاختراق الأوكراني، فما حدث ليس اغتيالا لشخصية سياسية مهما كان وزنها على أرض روسية كما حدث في الحالة الإيرانية، بل اجتياح واحتلال لمساحة ليست قليلة من الأراضي الروسية قال الرئيس زيلينسكي إنها تقدر بحوالي 1000 كلم2 من الأراضي الروسية، والسيطرة على 28 منطقة سكنية وفرار نحو 200 ألف روسي من منازلهم بحسب مسؤول روسي، لدرجة حديث كييف عن إمكانية فرض الحكم العسكري في منطقة كورسك الروسية، وهو ما دفع الرئيس بوتين للوعد بـ"رد لائق" على أوكرانيا، وذلك بالنظر إلى المغزى السياسي والاستراتيجي لما حدث بغض النظر عن المساحة الجغرافية التي استطاع الجيش الأوكراني اختراقها، وفي ضوء تأثير العملية نفسها في الداخل الروسي والشعور العام بالأمن لا سيما أن اختراق الجيش الأوكراني يعيد لذاكرة الجماعية الروسية الاختراق القريب الذي نفذته ميليشيات "فاغنر" منذ نحو عام تقريبا، حين زعمت الوصول إلى مساقة 120 ميلا من العاصمة موسكو.
هناك توقعات بأن يؤدي الهجوم الأوكراني المضاد إلى تعزيز موقف كييف في أي مفاوضات سلام محتملة، ولكن من الصعب القطع باحتمالية انعقاد أي مفاوضات سلام من الأساس، قبل أن تنفذ روسيا ما تعتقد أنه رد لكبريائها الوطني، بل ربما يدفعها هذا الهجوم للمزيد من التشدد السياسي وتوسيع دائرة القتال في عمق أوكرانيا، وربما إنهاء فكرة الحوار السياسي من الأساس، أو على الأقل لما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
لكن من الصعب بناء توقعات دقيقة حول موقف القوات الروسية في أوكرانيا بعد هذا الاختراق الأوكراني، حيث تلعب المسيرات الأوكرانية دورا مهما في ملاحقة الجيش الروسي، ويتحول التركيز الروسي باتجاه الدفاع عن الحدود ومنع تكرار هذه الاختراقات، وربما كان هذا هو الهدف من التخطيط للاختراق، وهو تشتيت انتباه الجيش الروسي ودفعه لإعادة الانتشار وسحب القوات من المناطق الأوكرانية التي يسيطر عليها ويسعى لترسيخ الوجود الروسي بها، وفي جميع الأحوال يبدو أن الحرب الأوكرانية - الروسية ستشهد فصلا أكثر دموية خلال المرحلة المقبلة.
drsalemalketbi@