نبيل عبدالحفيظ الحكمي

رأس المال الجريء والملكية الخاصة

الأربعاء - 21 أغسطس 2024

Wed - 21 Aug 2024

عزيزي القارئ، لا يخفى عليك في السنوات الأخيرة، حققت المملكة العربية السعودية تقدما كبيرا في تنويع اقتصادها بعيدا عن الاعتماد الكلي على النفط، مع تركيز قوي على تعزيز الابتكار وريادة الأعمال والتقنية.

وقد أدى ذلك إلى تعزيز ظهور العديد من الكيانات الاستثمارية، بما في ذلك شركات رأس المال الجريء (Venture Capital) وصناديق الملكية الخاصة (Privet Equity)، من المهم أن يتم التفرقة بين "رأس المال الجريء" و"الملكية الخاصة"، حيث إن كل نوع من هذه الأنواع له تأثيرات مختلفة على النمو والمخاطر والعوائد.

اليوم سنستكشف بعض ملامح المشهد الاستثماري في السعودية، مع التركيز على خصائص واستراتيجيات وتأثيرات هذه الأشكال المختلفة من الاستثمار.

قبل الخوض في تفاصيل النظام البيئي الاستثماري، من الضروري تعريف "رأس المال الجريء" و"الملكية الخاصة".

يتضمن رأس المال الجريء الاستثمار في الشركات الناشئة ذات الإمكانات العالية للنمو. غالبا ما تفتقر هذه الشركات إلى التمويل التقليدي بسبب مرحلتها المبكرة والمخاطر العالية.

توفر شركات رأس المال الجريء الدعم المالي والتوجيه الاستراتيجي وشبكة العلاقات الصناعية المتنوعة والدعم التشغيلي اللازم.

الهدف الأساسي هو تنمية هذه الشركات الناشئة حتى تصل إلى نقطة يمكن أن يتم الاستحواذ عليها أو إدراجها في الأسواق العامة، مما يحقق عوائد كبيرة للمستثمرين.

من ناحية أخرى تتضمن الملكية الخاصة الاستثمار في الشركات الأكثر نضجا والتي عادة ما تكون غير مدرجة في أسواق الأسهم العامة.

غالبا ما تكون هذه الاستثمارات أكبر من استثمارات رأس المال الجريء، وتشمل عادة عمليات شراء، حيث تكتسب شركة الملكية الخاصة حصة مسيطرة في الشركة.

الهدف هو إعادة هيكلة الشركة وتحسين الكفاءة التشغيلية وتنمية الأعمال، ومن ثم بيعها لتحقيق ربح. قد تستثمر شركات الملكية الخاصة أيضا في الشركات المتعثرة، لتحويلها إلى شركات ناجحة لتحقيق مكاسب مستقبلية.

لقد تطور المشهد الاستثماري في المملكة العربية السعودية بسرعة، مدفوعا بمبادرة رؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على إيرادات النفط.

هذه الرؤية حفزت تطوير العديد من الأدوات الاستثمارية، بما في ذلك رأس المال الجريء والملكية الخاصة.

ومع ذلك يتطلب تحديد ما إذا كانت معظم هذه الاستثمارات تتماشى أكثر مع رأس المال الجريء أو الملكية الخاصة فحصا دقيقا لخصائص واستراتيجيات المستثمرين السعوديين.

شهدت السعودية نموا كبيرا في نظامها البيئي للشركات الناشئة، لا سيما في قطاعات التقنية والرعاية الصحية والطاقة المتجددة.

كانت منظمات مثل شركة "رأس المال الجريء" السعودية (SVC) كصندوق الصناديق وصناديق أخرى في طليعة توفير التمويل المبدئي للشركات الناشئة.

تتميز هذه الاستثمارات بالمخاطر العالية والمكافآت المرتفعة.

ينطوي الاستثمار في الشركات الناشئة على مخاطر كبيرة بسبب نماذج الأعمال المبتكرة وغير المثبتة؛ ومع ذلك فإن الإمكانية لتحقيق عوائد عالية هي عامل جذب.

أحد الأمثلة البارزة للاستثمار الجريء هو الاستثمار في شركة كريم (Careem)، شركة تقديم خدمات النقل التي أصبحت منافسا إقليميا مبتكرا لشركة أوبر (Uber)، حيث قامت الاستثمارات المبكرة من شركات رأس المال الجريء بدور حاسم في نمو شركة كريم، مما أدى إلى استحواذ شركة أوبر عليها بمبلغ 3.1 مليارات دولار، حيث يوضح هذا النجاح البارز الإمكانية لتحقيق العوائد والتأثير الاستراتيجي لرأس المال الجريء.

في السعودية تركز الملكية الخاصة عادة على الشركات الراسخة، خاصة تلك التي تمر بعمليات إعادة هيكلة أو تسعى للتوسع.

تشمل بعض الخصائص الرئيسية لهذه الاستثمارات: تعتبر استثمارات الملكية الخاصة عموما أقل خطورة مقارنة برأس المال الجريء، حيث تتضمن شركات أكثر نضجا ذات إيرادات ثابتة.

غالبا ما تجلب شركات الملكية الخاصة الخبرة لتحسين الكفاءة التشغيلية وتنفيذ التغييرات الاستراتيجية ودفع النمو، من خلال الاستحواذ على حصة كبيرة أو مسيطرة، يمكن لشركات الملكية الخاصة التأثير على قرارات الشركة لتحقيق أقصى عائدات.

مثال على نشاط الملكية الخاصة هو صندوق الاستثمارات العامة (PIF)، الذي يستحوذ على حصص في الشركات العالمية مثل شركة لوسيد موتورز Lucid Motors وغيرها من الشركات.

تهدف هذه الاستثمارات عادة إلى الاستفادة من خبرة وتقنية الشركات لدعم الأهداف الاقتصادية الأوسع للمملكة العربية السعودية.

عادة ما يمتلك رأس المال الجريء أفقا استثماريا قصيرا إلى متوسط المدى يتراوح من 5 إلى 7 سنوات، مع التركيز على النمو والخروج النهائي من خلال الاكتتابات العامة أو الاستحواذ.

من ناحية أخرى عادة ما تتضمن الملكية الخاصة أفقا استثماريا متوسطا إلى طويل الأمد، يتراوح عادة من 7 إلى 10 سنوات، مع التركيز على إعادة الهيكلة وتحسين العمليات والبيع النهائي.

يدعم رأس المال الجريء الابتكار من خلال توفير التمويل للشركات الناشئة المبتكرة، مما يؤدي إلى خلق فرص عمل ويعزز مختلف قطاعات الاقتصاد.

في المقابل تحسن الملكية الخاصة الكفاءة والتنافسية للشركات الراسخة، مما قد يؤدي إلى توحيد الصناعة واستقرار اقتصادي.

يعكس المشهد الاستثماري في السعودية خصائص كل من رأس المال الجريء والملكية الخاصة.

ومع ذلك فإن الفرق بين الاثنين أصبح غير واضح بشكل متزايد، حيث تشارك بعض الكيانات الاستثمارية في أنشطة تشمل كلا المجالين.

في النهاية يتميز النظام الاستثماري في المملكة العربية السعودية بمزيج فريد من خصائص رأس المال الجريء والملكية الخاصة، مما يعكس النهج الديناميكي للأمة في التنويع والنمو الاقتصادي.

يمكن للمستثمرين ورواد الأعمال على حد سواء العثور على فرص وافرة مدعومة بإطار عمل قوي يشجع الابتكار والتنمية الاستراتيجية.

nabilalhakamy@