شاهر النهاري

بين قمم أرقى وأرذل صنائع البشرية

الاثنين - 19 أغسطس 2024

Mon - 19 Aug 2024

لعلنا نتفق أن أبشع ما قامت به البشرية هي الحروب الدموية الإقصائية، بتنافس مريض يبجل المفتري ويسحق الغافل، وبأعذار تزيد وتنقص وأسباب تصدق وتكذب، فإن الألعاب الأولمبية هي أرقى ما فعلته البشرية، بتلاقي شعوب الأرض فيها، متنافسين في النبل وإجادة فنيات المنافسات الرياضية، يبرز فيها الأقوى والأحرف، والأسرع والأعلى والأليق والفريق المتعاون المنسجم المتفاني، على مستويات تحديات قمم الكرة الأرضية، يحتدم فيها التحدي ويبقى ذكر الفائزين وبلدانهم مفخرة لأممهم على مدى الدهر.

أولمبياد ترتيبات طرق لعب وقوانين موحدة تم استلهام تكوينها منذ ألعاب مدينة أولمبيا اليونانية في القرن الثامن قبل الميلاد وحتى توقفها بالقرن الرابع الميلادي.

ثم عودتها بمسمى "الألعاب الأولمبية الحديثة"، على يد البارون "بيير دي كوبرتان" 1894 عبر تنظيمات الكونغرس الأولمبي، وبألعاب شتوية وصيفية تضم في عضويتها الحالية أكثر من مئتي دولة.

منافسات تحضر جللا لنيل شرف التنظيم وبتأكيد أن الدولة المستضيفة تمتلك الفكر والإمكانيات والبنية التحتية، ووسائل المعيشة والمواصلات المتيسرة للمشاركين ولمن يحضرون للمتعة والسياحة.

مبان وملاعب ووسائل حديثة تناسب جميع المنافسات وتبتدئ باحتفال فني ينتظره العالم، ويحضره زعماء الأرض، بخلاصة جهود وثقافة وتمكن الدولة المضيفة، مترعة بالرياضة والفنون والطقوس والتميز والإبهار.

علم وإعلام، وشعلة تجول من البلد السابق للحالي، ويتم تسليمها بنهاية حفل الختام للراعي القادم.

الفائزون بالمراكز الأولى يحصدون الميداليات الذهبية، والوصيف الفضية، والثالث البرونزية.

وسجل شرف تاريخي محدث يدوم، بكل الاستحقاقات والأرقام القياسية، لحفظ الحقوق، وتأصيل التميز والسبق.

البشرية في الأولمبياد تبلغ قمم ثقافات النزاهة والإخاء والحب والتنافس الإنساني الشريف، وإثبات القدرة والتميز والتطور، دون حقد ولا كراهية ولا انتقام دموي ولا دمار، كما تفعل الحروب التي ما إن تشتعل بين دولتين، إلا وتسحق إحداهما الأخرى، حتى ولو كانت أفضل منها في مختلف مناشط الحياة الأخرى، بينما يحفظ الأولمبياد العلاقات الودية، ويديم التنافس الشريف والقدر، ويقوي المقابل بمزيد من التميز والمعلومات والخبرة والتدريب، والتحدي والتشارك في رفع قدرة وجودة العمل الرياضي، وتسخير أفضل الأدوات والطرق، لحصد ميداليات قمم الروح الرياضية.

دول العالم المتحضر، والدول المتأملة بالتحضر، تظل ترعى شبابها ورياضاتهم، وتتفنن في البناء والدعم والتأسيس، والمساهمة والاستعداد والتحفيز لأهداف معنوية وقوى ناعمة تهبها النصر، وبأهداف عظيمة للثقافة والاقتصاد والسياحة والتنمية والتصنيع وغيرها مما تتمايز به الدول، المتمكنة بقدراتها وعزيمتها في تطوير مفاهيم الصحة والأمن والسلام، والاقتصاد والسياحة والإعلام، وتمكين الدولة من البقاء على واجهة الأرض، نظرتها ورؤيتها، وحصيلتها الإنسانية والحضارية.

فوق قمم أولمبياد العالم ستجد من يتنافسون على امتلاك الروح الرياضية، وهنالك في سافل سافلين ستجد من يتنافسون على كونهم أكثر الدول شرا وحيلا ومؤامرات وحروبا في الخفاء والعلن.

والتجسس، والاغتيالات، وقدرة التحشيد، والتسليح، والغزو الفكري، والديني، يحرق الأخضر واليابس، ويغسل عقول الناشئة والشباب، ويجرعهم المخدرات ليكونوا عوامل تدمير وخطورة، وخيانات وانقلابات وتهجير، وحياة بوهيمية أو غيبية تصنع الإرهاب، وتعشق الفوضى، وتبدع بالشرور، ودون قدرة على رؤية الصورة الكبرى المتكاملة بأعين الإنسانية، فيبقى الاستعمار وجوديا، ومصيريا في الدول المقابلة، زيادة على قطيعة وخيانات، وتنافس دموي يعبث بمجريات تاريخ مرتعب مظلم.

shaheralnahari@