كلّن عندن سيارات وجدي عندو حمار
الاثنين - 19 أغسطس 2024
Mon - 19 Aug 2024
الفرق شاسع بين الصوت المرتفع والقوي.
الأول لا يستند على شيء أكثر من علوه، والثاني حتما يملك ما لا يملكه ذاك.
كالسلاح على سبيل المثال، وإدارة الحشود، أيا كان أساس التصرف بها – أي الحشود – مذهبي طائفي، أو من أبواب الزعرنة والبلطجة.
والمساحة مخيفة بين من يحمل السلاح ومن يعيش على ذكرى الرصاص.
والفجوة كبيرة بين من هو موصوف بالوطني وآخر يسير في فلك أجندة خارجية.
رائحة الخيانة تفوح في بعض العواصم العربية، خيانة الوطن والتاريخ والإرث الاجتماعي، وحتى اللسان واللغة والدين وكل شيء؛ في كل شيء.
العاصمة اللبنانية بيروت تحتوي على جميع ما سبق من شخصيات تتضمنها السطور السابقة، أعرفها جيدا، لي معها ومع سياسييها كثير من الذكريات، كان أخي السفير السابق في لبنان علي عواض عسيري مفتاحا توغليا في تلك الدولة، باعتبار أني صحفي عبثي.
التقيت أبرز صانعي القرار فيها، الجميع بلغ نقطة واحدة؛ مفادها ماذا؟ سلاح حزب الله.
كيف؟ الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان قال في حديث أجريته معه بصحيفة الوطن عام 2013، "إن سلاح حزب الله مشكلة".
وطالب وقتذاك من انخرط في النزاع المسلح في سوريا بأن يعود إلى لبنان، ومنه إلى طاولة الحوار، حفاظا على التوافق الوطني، وتلافيا لأي مخاطر على السلم الأهلي اللبناني؛ ووفقا لاتفاق الطائف. بالطبع كان الرئيس يخشى ذكر المنخرطين بالاسم، رغم أنه سمى سلاح الحزب، وله حساباته الخاصة.
ربما كان الرجل يخشى قتله، كما قتل رفيق الحريري والشمس في كبد السماء.
ويوما ما هاتفت الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وهو بالمناسبة ثعلب سياسي من طراز رفيع.
قال في رسالة مبطنة ومسمومة لكن هدفها نبيل؛ "يجب على الجميع العودة للحضن العربي"، وهنا إشارة للمحسوبين على الشريحة اللبنانية، ممن باعوا العروبة على حساب المذهب والطائفة، وما زالوا يمارسون ذلك حتى اليوم.
ابن قبيلة شمر العريقة، والذي أبدى اعتزازه التاريخي الذي يعود لحائل، الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، أذكر أنه مرر في لقاء أجريته معه في الصحيفة نفسها، رسالة تريد من يفهمها على أساس الجذور والتاريخ، كانت نبرته حادة، ورفع صوته بالقول "احترموا جذورنا لنحترم رغباتكم".
رئيس الوزراء السابق تمام سلام قال خلال زيارة قمت بها لمنزله بالمصيطبة، إحدى المناطق البيروتية التي تسيطر عليها حركة أمل الشيعية التي يتزعمها نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني منذ عام 1992م، "لا خيار للدولة إن أرادت الاستفاقة إلا العودة لمحيطها العربي، سياسيا وشعبيا".
زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الملقب بـ"الحكيم"؛ قد يكون الأشجع بين الزعماء اللبنانيين ممن التقيتهم، وذلك قد يعود لحساباته الخاصة، وهو الذي كما أزعم، لم يعد لديه ما يخسره بعد أن قضى جزءا لا يستهان به من عمره في سجون أقبية المخابرات، إبان الوصاية السورية على لبنان، التي كان يدير ملفها من قلب بيروت غازي كنعان ورستم غزالة، وهما أشرس ضابطين في المخابرات الجوية السورية آنذاك.
جعجع المدرج على رأس قوائم تصفية الشخصيات التابعة لتيار الرابع عشر من آذار، سمى الأمور بمسمياتها، من حيث اعتباره أن حزب الله شكل دولة داخل دولة، وبات لبنان تحت معادلة "إيران تسلح ودمشق تخطط وحزب الله ينفذ".
لذلك رأى أن الحوار مع حزب الله وصل لطريق مسدود، وأي محاولات من الحزب توحي بقبول فكرة التفاهم، لا تتجاوز كونها شراء وقت، بعد أن قرر تصفية أبناء لبنان الشرفاء، وكان وقت إجراء ذاك الحديث بعد اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس فرع أمن المعلومات.
القصد من الاستشهاد بجميع تلك الشخصيات اللبنانية رغم مرور السنين التي تحدثوا بها، ليس استعراضا للعضلات، بقدر ما هو أن حزب الله لا يزال يشكل "العربة أمام الحصان"، ويسير من وقتها وقبلها، حتى اليوم، لجر البلاد والعباد إلى الهاوية، عبر زج الدولة في وسط النيران الملتهبة بالمنطقة. وحتى من كان يرفع لواء اندماج الميليشيا وسلاحها ومقاتليها في صفوف الجيش، بات يخشى ذلك، لأن حالة من الإيقان باتت تسيطر بأن ذلك إن حدث، قد يتسبب بانقسام الجيش وانشقاقه على بعضه بعضا، لماذا؟ لأن الجيش ذو عقيدة وطنية، أما الحزب عقيدته طائفية مذهبية عابرة للقارات.
يبقى القول إن مفهوم المقاومة الذي كرس له الحزب ومن يسير في فلكه مفهوم باطل، ومعادلة سياسية قذرة، لأنها تعتمد القتل وسفك الدماء والتصفيات السياسية في الداخل والخارج، دون مراعاة لأبسط مقومات فكرة الوطنية، ولبنان الكبير، الذي تجاوز أعتى المحن، من احتلال وانتداب أجنبي وصولا إلى مرحلة الحرب الأهلية التي قسمت المجتمع اللبناني عن بكرة أبيه، إلى إنسان متواطئ مع الخارج، أو منشق يستحق القتل، وآخر لديه بعض القيم الوطنية لكنه خاضع لتهديد السلاح السائب.
إن توقيت فتح هذا الملف غير مناسب؛ في ظل التهاب المنطقة، إنما كان سببه استباحة دولة عربية بكيان مستقل وإخضاعها ببشرها وحجرها لحسابات خارجية، طبقا لزعيم ميليشيا حزب الله حسن نصر الله، الذي أقر بضرورة المشاركة في الرد الإيراني المنتظر على إسرائيل لاغتيالها إسماعيل هنية بطهران.
بعد مشاهدة تصريحات نصر الله التي أدلى بها مؤخرا؛ انقدت لتقليب الذكريات، التي اكتنزت أحاديث أثبتت الأيام أنها واقعية، واستشرفت مستقبل دولة مغتصبة.
واتضح أن الماضي قد تبخر.
واستبدل الخامنئي بالأغاني الفيروزية، والمسرحيات الرحبانية، وشجن وديع الصافي؛ وتقاسيم مارسيل خليفة.
تبقى صوت الرصاص وأنين الأمهات.. وأهزوجة العنوان "كلّن عندن سيارات وجدي عندو حمار"!
الأول لا يستند على شيء أكثر من علوه، والثاني حتما يملك ما لا يملكه ذاك.
كالسلاح على سبيل المثال، وإدارة الحشود، أيا كان أساس التصرف بها – أي الحشود – مذهبي طائفي، أو من أبواب الزعرنة والبلطجة.
والمساحة مخيفة بين من يحمل السلاح ومن يعيش على ذكرى الرصاص.
والفجوة كبيرة بين من هو موصوف بالوطني وآخر يسير في فلك أجندة خارجية.
رائحة الخيانة تفوح في بعض العواصم العربية، خيانة الوطن والتاريخ والإرث الاجتماعي، وحتى اللسان واللغة والدين وكل شيء؛ في كل شيء.
العاصمة اللبنانية بيروت تحتوي على جميع ما سبق من شخصيات تتضمنها السطور السابقة، أعرفها جيدا، لي معها ومع سياسييها كثير من الذكريات، كان أخي السفير السابق في لبنان علي عواض عسيري مفتاحا توغليا في تلك الدولة، باعتبار أني صحفي عبثي.
التقيت أبرز صانعي القرار فيها، الجميع بلغ نقطة واحدة؛ مفادها ماذا؟ سلاح حزب الله.
كيف؟ الرئيس اللبناني السابق ميشال سليمان قال في حديث أجريته معه بصحيفة الوطن عام 2013، "إن سلاح حزب الله مشكلة".
وطالب وقتذاك من انخرط في النزاع المسلح في سوريا بأن يعود إلى لبنان، ومنه إلى طاولة الحوار، حفاظا على التوافق الوطني، وتلافيا لأي مخاطر على السلم الأهلي اللبناني؛ ووفقا لاتفاق الطائف. بالطبع كان الرئيس يخشى ذكر المنخرطين بالاسم، رغم أنه سمى سلاح الحزب، وله حساباته الخاصة.
ربما كان الرجل يخشى قتله، كما قتل رفيق الحريري والشمس في كبد السماء.
ويوما ما هاتفت الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وهو بالمناسبة ثعلب سياسي من طراز رفيع.
قال في رسالة مبطنة ومسمومة لكن هدفها نبيل؛ "يجب على الجميع العودة للحضن العربي"، وهنا إشارة للمحسوبين على الشريحة اللبنانية، ممن باعوا العروبة على حساب المذهب والطائفة، وما زالوا يمارسون ذلك حتى اليوم.
ابن قبيلة شمر العريقة، والذي أبدى اعتزازه التاريخي الذي يعود لحائل، الرئيس اللبناني الأسبق أمين الجميل، أذكر أنه مرر في لقاء أجريته معه في الصحيفة نفسها، رسالة تريد من يفهمها على أساس الجذور والتاريخ، كانت نبرته حادة، ورفع صوته بالقول "احترموا جذورنا لنحترم رغباتكم".
رئيس الوزراء السابق تمام سلام قال خلال زيارة قمت بها لمنزله بالمصيطبة، إحدى المناطق البيروتية التي تسيطر عليها حركة أمل الشيعية التي يتزعمها نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني منذ عام 1992م، "لا خيار للدولة إن أرادت الاستفاقة إلا العودة لمحيطها العربي، سياسيا وشعبيا".
زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الملقب بـ"الحكيم"؛ قد يكون الأشجع بين الزعماء اللبنانيين ممن التقيتهم، وذلك قد يعود لحساباته الخاصة، وهو الذي كما أزعم، لم يعد لديه ما يخسره بعد أن قضى جزءا لا يستهان به من عمره في سجون أقبية المخابرات، إبان الوصاية السورية على لبنان، التي كان يدير ملفها من قلب بيروت غازي كنعان ورستم غزالة، وهما أشرس ضابطين في المخابرات الجوية السورية آنذاك.
جعجع المدرج على رأس قوائم تصفية الشخصيات التابعة لتيار الرابع عشر من آذار، سمى الأمور بمسمياتها، من حيث اعتباره أن حزب الله شكل دولة داخل دولة، وبات لبنان تحت معادلة "إيران تسلح ودمشق تخطط وحزب الله ينفذ".
لذلك رأى أن الحوار مع حزب الله وصل لطريق مسدود، وأي محاولات من الحزب توحي بقبول فكرة التفاهم، لا تتجاوز كونها شراء وقت، بعد أن قرر تصفية أبناء لبنان الشرفاء، وكان وقت إجراء ذاك الحديث بعد اغتيال اللواء وسام الحسن رئيس فرع أمن المعلومات.
القصد من الاستشهاد بجميع تلك الشخصيات اللبنانية رغم مرور السنين التي تحدثوا بها، ليس استعراضا للعضلات، بقدر ما هو أن حزب الله لا يزال يشكل "العربة أمام الحصان"، ويسير من وقتها وقبلها، حتى اليوم، لجر البلاد والعباد إلى الهاوية، عبر زج الدولة في وسط النيران الملتهبة بالمنطقة. وحتى من كان يرفع لواء اندماج الميليشيا وسلاحها ومقاتليها في صفوف الجيش، بات يخشى ذلك، لأن حالة من الإيقان باتت تسيطر بأن ذلك إن حدث، قد يتسبب بانقسام الجيش وانشقاقه على بعضه بعضا، لماذا؟ لأن الجيش ذو عقيدة وطنية، أما الحزب عقيدته طائفية مذهبية عابرة للقارات.
يبقى القول إن مفهوم المقاومة الذي كرس له الحزب ومن يسير في فلكه مفهوم باطل، ومعادلة سياسية قذرة، لأنها تعتمد القتل وسفك الدماء والتصفيات السياسية في الداخل والخارج، دون مراعاة لأبسط مقومات فكرة الوطنية، ولبنان الكبير، الذي تجاوز أعتى المحن، من احتلال وانتداب أجنبي وصولا إلى مرحلة الحرب الأهلية التي قسمت المجتمع اللبناني عن بكرة أبيه، إلى إنسان متواطئ مع الخارج، أو منشق يستحق القتل، وآخر لديه بعض القيم الوطنية لكنه خاضع لتهديد السلاح السائب.
إن توقيت فتح هذا الملف غير مناسب؛ في ظل التهاب المنطقة، إنما كان سببه استباحة دولة عربية بكيان مستقل وإخضاعها ببشرها وحجرها لحسابات خارجية، طبقا لزعيم ميليشيا حزب الله حسن نصر الله، الذي أقر بضرورة المشاركة في الرد الإيراني المنتظر على إسرائيل لاغتيالها إسماعيل هنية بطهران.
بعد مشاهدة تصريحات نصر الله التي أدلى بها مؤخرا؛ انقدت لتقليب الذكريات، التي اكتنزت أحاديث أثبتت الأيام أنها واقعية، واستشرفت مستقبل دولة مغتصبة.
واتضح أن الماضي قد تبخر.
واستبدل الخامنئي بالأغاني الفيروزية، والمسرحيات الرحبانية، وشجن وديع الصافي؛ وتقاسيم مارسيل خليفة.
تبقى صوت الرصاص وأنين الأمهات.. وأهزوجة العنوان "كلّن عندن سيارات وجدي عندو حمار"!