عبدالمعين عيد الأغا

هرمون النمو ومزاعم السرطان

الثلاثاء - 13 أغسطس 2024

Tue - 13 Aug 2024

يقول أحد الآباء في رسالته: ابني يعاني من قصر القامة ويتعالج الآن بهرمون النمو، ولكن هناك رسالة متداولة في مواقع التواصل الاجتماعي جعلتني في حيرة من أمري ومفادها بأن استخدام هرمون النمو قد يسبب الإصابة بالسرطان، كما أن الرسالة تضمنت أن العلاج بهرمون النمو يسبب زيادة في الوزن، فنرجو من خلال الصحيفة الموقرة وعبر مقالكم وضع النقاط على الحروف حتى نكون على بينة من مثل هذه الرسالة التي تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي.

للأب العزيز أقول: دعني في البداية أوضح لك أننا أمام قضية مهمة مرتبطة بصحة الأطفال ونموهم الطبيعي، وبجانب ذلك الانعكاسات النفسية والاجتماعية، فقصر القامة عند الأطفال مشكلة كبيرة لا بد أن يتم مواجهتها في سن مبكرة، لأنه في حال تجاوز الطفل سن الـ16 فإنه لن يفيد معه أي علاج، وكم من الحالات التي لم تجد العلاجات اللازمة في الوقت المناسب ظلت دون بلوغ الطول المناسب، وحالات أخرى وقعت ضحية للمفاهيم المغلوطة فلم يتم علاجها، وهذا ما أشار إليه صاحب الرسالة أن علاج هرمون النمو يسبب السرطان وزيادة الوزن.

الواقع أنه لا علاقة نهائيا لهرمون النمو بالسرطان، والمعلومات المغلوطة التي يتم تداولها في منصات التواصل الاجتماعي هدفها إثارة البلبلة وتخويف الأسر؛ فللسرطان أسبابه وعلاجاته، ودعوني في هذا الإطار أستشهد بمعلومة بسيطة وهي أن علاج هرمون النمو بدأ منذ 1985م فقط للحالات التي لديها مشكلة قصر القامة بسبب نقص الهرمون، وقد استفاد الأطفال في جميع دول العالم بهذا العلاج، فهل هؤلاء تعرضوا للسرطان؟

يجب أن تكون الأسر التي لديها أطفال يعالجون بهرمون النمو على وعي كبير بمثل هذه المسائل، ولا تقدم على أي خطوة بإيقاف العلاج من خلال رسائل ومعلومات مغلوطة، ففي الأخير يذهب الطفل ضحية عند تبني الآراء الخطأ، وعليهم عند وجود أي استفسار طرحه على الطبيب المعالج.

أما ما يتعلق بزيادة الوزن بسبب هرمون النمو فهذه المعلومة خطأ أيضا، فزيادة وزن بعض الأطفال خلال فترة العلاج سببها اتباع سلوكيات غذائية غير صحية، بمعنى الإكثار من تناول الوجبات السريعة، عدم ممارسة أي نشاط رياضي يحرق الدهون والسعرات، الجلوس الطويل مع الأجهزة الالكترونية دون حراك مما يمهد للخمول والكسل وتراكم الدهون وخصوصا في منطقة البطن، فيصبح منظر الطفل متغيرا، ومن المؤسف أن تتجه أصابع الاتهامات نحو هرمون النمو.

وشهد هرمون النمو للأطفال الذين يعانون من قصر القامة ولديهم نقص في الهرمون نقلة نوعية وثورة علمية كبيرة على المستوى العالمي، إذ كان الأطفال يعانون في السابق من متاعب ومشكلة الحقن اليومي لهرمون النمو، أما الآن فقد أصبح العلاج أسبوعيا وهذا الأمر خفف من معاناة الأطفال وأسرهم ورفع من مستوى جودة حياتهم.

كما لا يفوتني أن أنوه إلى أن بلادنا الغالية انفردت في استخدام "العلاج الأسبوعي" لهرمون النمو بعد اعتماده واعترافه من قبل هيئة الغذاء والدواء السعودية، وبذلك تكون السعودية الدولة الأولى التي تطبق العلاج الجديد منذ يناير 2023، تلتها أمريكا في أبريل، واليابان في يونيو، فيما بدأت كندا والاتحاد الأوروبي باستخدامه في يوليو.

وهناك عدة عوامل تتحكم في النمو الطبيعي للأطفال، ومنها: الوراثة، الغذاء الصحي، النوم المبكر، ممارسة الرياضة، سلامة الصحة من الأمراض المزمنة، العوامل الهرمونية، العوامل النفسية والاجتماعية، وتوقيت البلوغ (هل كان طبيعيا، مبكرا، متأخرا)، وأيضا النوم المبكر والعميق الذي يزيد من إفراز هرمون النمو، المهم للأطفال واليافعين؛ لأنه يحسن من طولهم وبنيتهم الجسدية ووظائف أعضائهم، بينما تأخر النوم يربك إفرازه ليلا، لذلك خلق الله النوم حتى يتفرغ الجسم لترميم ما تلف من الخلايا، إذ يساعد النوم الكافي والعميق والمبكر أنسجة الجسم على النمو بشكل صحيح، وأيضا الغذاء الصحي المحتوي على منتجات الحليب والألبان والفواكه والخضراوات والألياف واللحوم والأسماك والبيض، كلها عوامل تساعد على النمو، كما أن الحركة والنشاط البدني لهما دوران كبيران في تحفيز هرمون النمو الطبيعي في عمله على
سائر الأنسجة والخلايا، ويفضل ألا يقل عن 30 دقيقة يوميا.

أخيرا.. علاج قصر القامة بشكل عام يعتمد على معرفة السبب، فإن كان السبب وراثيا أو عائليا فقد يصعب التدخل الطبي لحل هذه المشكلة ويقتصر العلاج على المتابعة، أما إن كان السبب عضويا فعلاجها يكون بعلاج العضو المصاب كعلاج أمراض الجهاز الهضمي أو الكبد أو غيرهما، أما إذا كان السبب هو نقص هرمون النمو فهنا يكون العلاج بتعويض الطفل الهرمون المفقود، مع التأكيد أن العلاج المبكر أفضل من حيث النتائج والجوانب النفسية.