خالد العويجان

فخار يكسر بعضه

الأحد - 11 أغسطس 2024

Sun - 11 Aug 2024

الصفر رقم ملعون، يوحي بأنه لا يساوي شيئا، إنما في الحقيقة فهو مرتبط بأخطر المواعيد، مواعيد الحرب والانتقام.

وبسبب ذلك الرقم يقف العالم على أصابع أقدامه بانتظار لحظة تسمى "ساعة الصفر"؛ المقرر الإعلان عنها من الشرق.

وبسببه أيضا تشخص الأنظار نحو الجزء الذي نعيش فيه من هذا الكون الفسيح لمراقبة الوضع في منطقة لطالما كانت مشتعلة، قدرها كذلك.

الشرق الأوسط يبدو أنه مصاب بلعنة ما، الأيدي على الزناد منذ عشرات السنين وربما أكثر، والتهديد والوعيد يسيطران على الأسماع والأذهان.

يوم الحادي والثلاثون من الشهر المنصرم كانت الفاجعة، أزهقت روح إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في عقر دار الحرس الثوري الإيراني، بقلب طهران.

استشاط المرشد علي خامنئي ذلك اليوم، الذي صادف مباركته لرئيس جاء من خلف الطابور.

كانت طهران تسعى من خلال تنصيب شخص إصلاحي، لتغيير قماشتها السياسية، ونقل استراتيجيتها من حالة لأخرى.

تريد التهدئة مع العالم، خوفا من سيد البيت الأبيض المنتظر دونالد ترامب، الذي سبق له أن مزق الاتفاق النووي الإيراني وقتل قاسم سليماني، أخطر رجال المرشد وأكثرهم دموية.

رفع الحرس الثوري الإيراني سقف تهديده ووعيده لتل أبيب، منذ ذلك اليوم وحتى الساعة.

الانتقام العنوان الأبرز الذي احتل تصريحات المسؤولين الإيرانيين، وحمل ذلك اللواء زبانية طهران المنتشرين في المنطقة، من بيروت لصنعاء مرورا بالعراق.

السؤال الذي يوحي بكثير من الخبث؛ ماذا لو كان القتيل حسن نصرالله زعيم ميليشيات حزب الله اللبناني بدلا عن إسماعيل هنية؟ الجواب: حتما ستتغير الأحوال من الجانب الإيراني، باعتبار أن نصرالله ليس هنية، وهذا له أسبابه الخاصة، فهو ربيبها الذي لا يتنفس إلا بأمرها.

الأمر الثاني، فلو كان نصر الله، لن تستطيع طهران ولا المرشد مواجهة ضغط الرأي العام الشيعي في العالم، الذي سيبرأ من اتباع الفكرة السياسية الإيرانية الكبرى.

أما أبو العبد - هنية - يعتبر تابعا من الدرجة الثانية، تم استغلال ملفه لا أكثر ولا أقل.

ومن ثم فإن الطائفية التي تقتات عليها الجمهورية تلعب دورا كبيرا في التمييز بين الرجلين، فذاك شيعي محسوب على السياسة الشيعية في المنطقة، وذاك الآخر سني، ينتمي لمن يكفر في الأصل، المذهب الشيعي عن بكرة أبيه.

المهم أن الأيام مضت، ولم تنفذ إيران وعدها.

قد يرى البعض التأخير من باب أن الحرب خدعة، هذا صحيح، وقد يجد البعض الآخر أن عنصر المفاجأة يجب أن يكون له الدور الأكبر في مثل هذه الظروف، هذا منطقي أيضا، إنما في الأمر رائحة تشي بالتسويف من قبل إيران، أو بالأحرى شراء الوقت.

لماذا؟ أعتقد أن إيران انتهجت التروي في الرد لتضع نفسها طرفا ذا كلمة في أي عملية مفاوضات أو تسوية للأوضاع في قطاع غزة، قد يتم إبرامها مع الجانب الإسرائيلي، كمكافأة لها نظير ابتعادها عن إشعال المنطقة، ما الفائدة؟ ستحقق طهران مكاسب سياسية وشعبية من طنجة لجاكرتا، باعتبارها ستخرج بمظهر المنتصر الذي كسر شوكة تل أبيب، وانتقل الشعار الذي طالما تغنت به هي ومن يسير في فلكها "تحرير القدس" إلى واقع جزئي، يعي ساسة إيران بأنه سيتم تجيير وقف إطلاق النار على أقل تقدير لهم دون أدنى شك.

والخشية من أن تستغل تل أبيب ذلك الهدوء الإيراني بالاستباق بتوجيه ضربة أخرى، وهذا أمر غير مستبعد من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "الأحمق"، الذي وضع بعنجهيته إيران طرفا متزنا في نظر العالم، بعد عملية هدوئها في الرد على اغتيال هنية.

وحينما قلت إنه أحمق لعدة أسباب؛ لأنه فتح الأبواب على مصراعيها من خلال فكرة الانتقام الخاصة به.

صحيح أنه يعاني مما يمكن وصفه بـ"كماشة" أتباع إيران في المنطقة، لكن الحرب ليست وفق المنطق السياسي أول الحلول، ثم إن إطلاق وعود القضاء على حركات تتمتع بشعبية عارمة وجذور عميقة، لا تتم بطريقته الخاصة، كما ادعى مع حماس، وقبل ذلك ميليشيات حزب الله في لبنان، ومؤخرا اتجهت بوصلته لميليشيات الحوثي الإرهابية في اليمن.

هل تلك الميليشيات تمتلك قواعد شعبية؟ نعم، أين؟ على الأقل في محيطها أو بنطاق ضيق.

فحزب الله في لبنان أمر واقع، وحركة حماس في قطاع غزة أمر واقع، وحوثي اليمن والميليشيات الشيعية في العراق أيضا كذلك، وإلا لما استمرت منذ عشرات السنين حتى اليوم، هذا بالمنطق البسيط والمتواضع.

بالمناسبة، طهران وتل أبيب تشتركان في معاناة واحدة، ما هي؟ إيران تعيش حالة من الخجل أمام مؤيديها ومريديها من عملية الاختراق الكبرى التي أدت إلى اغتيال إسماعيل هنية، وإسرائيل كذلك، فعملية طوفان الأقصى التي نفذها بعض الحمساوية شهر أكتوبر الماضي، تسببت باهتزاز صورة الدولة والحكومة ومخابراتها وأجهزتها الأمنية، لذا فاستعادة قوة الردع الخاصة بالدولتين تعد هدفا لا يمكن الحياد عنه مهما كلف الأمر.

إن المحصلة التي أخرجت العاصمتين بمظهر مخزي كسير ومحرج من رأيه العام ومن العالم أجمع، ليست إلا جزءا قليلا من ثأر اقتصه القدر للأيتام والثكالى، ممن ذهبوا ضحية لعربدة البلدين؛ فيدا كلا الطرفين ملطختان بالدماء، لأنهما في الحقيقة عبارة عن ضباط لإيقاع القتل والتشريد في المنطقة. وإلى أن تكتمل حفلة الدم المرتقبة سأقول.. فخار يكسر بعضه.