عبدالله محمد علي

خطوات تساعد في اختيار التخصص الجامعي والوظيفة بعد المرحلة الثانوية

الأربعاء - 07 أغسطس 2024

Wed - 07 Aug 2024

في نهاية كل عام دراسي تواجه الغالبية العظمى من الخريجين من المرحلة الثانوية - إن لم يكن كلهم - صعوبة في اختيار مسار الحياة المهني (المسار) الأكثر مناسبة لهم، سواء كان هذا المسار أحد التخصصات في الجامعة، أو مسارا آخر غير الجامعة مثل الكليات العسكرية والمعاهد المدنية والعسكرية إلخ، والوظيفة مباشرة بعد الثانوية، وحتى في المسار الواحد الذي فيه أكثر من مسار فرعي الغالبية منهم يواجهون مشكلة في ترتيب رغباتهم الفرعية.

من المهم أن أشير هنا إلى أن المقصود بمسار الحياة المهني هنا يختلف عن المسارات الخمسة التي يختار الطالب واحدا منها بعد نجاحه من الصف الأول ثانوي. أود أن أشير أيضا إلى أن البعض يعتقد أن مسار الحياة المهني المناسب للشخص هو مسار واحد فقط، ولكن في الغالب أن الشخص يناسبه أكثر من مسار، ولكن الأفضل أن يبذل جهدا إضافيا لاختيار المسار الأكثر مناسبة له.

المسار الأكثر مناسبة للشخص في رأيي هو المسار الذي يحقق خمسة شروط بأعلى مستوى مقارنة بمسارات أخرى:
  1. يحقق ميوله ورغباته (غالبا يطلق عليه "الشغف"، مع أنني شخصيا أفضل استخدام كلمة الميول والرغبة أكثر من الشغف).
  2. يوفر له دخلا ماليا مناسبا.
  3. يتوافق مع قدراته وإمكانياته.
  4. يتوافق مع الشرع والنظام.
  5. يتوافق مع ظروفه الشخصية والأسرية وبعض العوامل الأخرى.
اختيار المسار المناسب للخريج من المرحلة الثانوية له أهمية كبيرة في حياته، لأنه سيؤثر في 60 سنة تقريبا من العمر (30 سنة تقريبا في الوظيفة وبعدها 30 سنة تقريبا بعد التقاعد) والأعمار بيد الله، ومن أهميته أيضا أنه إذا لم يختر الخريج المسار المناسب له فالنتيجة أنه سيختار مسارا غير مناسب، وهذا سيؤدي في الغالب إلى عدد من المشاكل التي قد يكون منها: الملل والضغط النفسي والبدني، عدم تحقيق نسب نجاح عالية وأحيانا الفشل وعدم القدرة على المواصلة فيه، ضياع الوقت في تغيير المسار مرة أو أكثر من مرة، خلافات داخل الأسرة بينه وبين الوالدين وربما الإخوة الكبار، مشاكل نفسية واجتماعية، انحرافات سلوكية... إلخ.

في الغالب أن الطلاب والطالبات المتفوقين يعانون أكثر من غيرهم في اختيار المسار الأكثر مناسبة لهم، لأن نسبهم عالية، فكل أو الغالبية العظمى من المسارات والخيارات مفتوحة أمامهم، ولأنهم يشعرون أن لديهم القدرة على الدخول في أي مسار سيختارونه.

فيما يلي سأذكر عددا من الخطوات التي يستطيع الخريج تطبيقها في اختيار مسار الحياة المهني الأكثر مناسبة له، وهذه الخطوات هي خلاصة ناتجة من اهتمامي منذ سنوات بموضوع الإرشاد التعليمي (الأكاديمي) والمهني، وتقديمي لعدد من الدورات لطلاب المرحلة الثانوية في هذا الموضوع، ولذلك أرى أنها ستساهم بشكل كبير جدا - بإذن الله - في مساعدة الخريج في حصر المسارات المناسبة له ثم اختيار المسار الأكثر مناسبة له منها.

وهذه الخطوات هي كالتالي:
1- الإكثار من الدعاء واللجوء إلى الله بأن يختار لك المسار الذي فيه الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.

2- التعرف على الفرق بين التخصص التعليمي والمهنة والهواية، التخصص التعليمي هو ما سيدرسه الشخص في الجامعة أو الكلية أو المعهد أو الدورة التدريبية، والمهنة هي العمل الذي من خلاله يكتسب دخلا ماليا، المهنة قد تكون على سبيل المثال وظيفة في قطاع حكومي أو وظيفة في قطاع خاص، أو عملا في التجارة. التخصص التعليمي في الغالب يمكن الشخص من العمل في أكثر من مهنة، على سبيل المثال: تخصص بكالوريوس شريعة يمكن حامله من العمل في عدد من المهن ومنها: قاض، كاتب عدل، محام، مستشار شرعي، معلم للمواد الدينية في التعليم العام، أستاذ جامعي في كلية/ قسم الشريعة... إلخ. أما الهواية فهي الأنشطة التي يقضي فيها الشخص وقت فراغه من باب الاستمتاع والفائدة.

الهواية عند شخص ما قد تكون مهنة عند شخص آخر. قد يكون عند الشخص أكثر من هواية.

البعض مثلا يختار التخصص الجامعي بناء على هواياته ثم يكتشف أنه ليس الاختيار المناسب أو الأكثر مناسبة له.

3- التعرف على أكبر قدر ممكن من المسارات المهنية الأساسية في الحياة بعد المرحلة الثانوية، ومنها على سبيل المثال:
  • مسار مواصلة الدراسة في الجامعات والكليات (حكومية أو خاصة).
  • مسار مواصلة الدراسة في الكليات التقنية.
  • مسار مواصلة الدراسة في المعاهد المتخصصة (حكومية أو خاصة).
  • مسار الكليات العسكرية بعد الثانوية.
  • مسار المعاهد العسكرية المتخصصة بعد الثانوية.
  • مسار العمل الحر (التجارة): الشخصي أو بالشراكة العائلية أو بالشراكة غير العائلية... إلخ.
4- التعرف على المسارات الفرعية لكل مسار من المسارات الأساسية المذكورة في الخطوة السابقة، ومن ذلك على سبيل المثال:
في مسار مواصلة الدراسة في الجامعة يتفرع منه مثلا: الكليات الصحية (الطب، طب الأسنان، الصيدلة... إلخ)، الكليات الهندسية (الهندسة، الحاسب، العمارة... إلخ)، الكليات الأدبية (الآداب، التربية، الشريعة... إلخ)، وكلية العلوم. وكل كلية فيها عدد من الأقسام، وبعض الأقسام قد يكون فيها أكثر من برنامج، مثال: كلية الهندسة في الغالب فيها على سبيل المثال الأقسام التالية: مدنية، ميكانيكية، صناعية، كهربائية، وكيميائية.

في المسار العام "الكليات العسكرية بعد الثانوي" يتفرع منه مثلا: الأمنية، الجوية، البحرية، الدفاع الجوي، الحربية (البرية)، والحرس الوطني... إلخ.

5- تطبيق طريقة "تخيل"، ومعناها أن يتخيل الخريج أن كل المسارات المهنية الأساسية والفرعية التي توصل لها في الخطوة السابقة مفتوحة له، ثم يختار أفضل خمسة مسارات بناء على معيار واحد فقط هو الميول (الرغبة، الحب، الشغف).

ويفترض أن كل المسارات دخلها المالي مرتفع ومتساو، وأنه قادر عليها كلها (يحقق شروطها)، وأنها كلها تتوافق مع ظروفه الشخصية والأسرية، وأن له القرار الكامل في اختيار المسار المهني الذي يريد، ثم بعد ذلك يرتبها من الأعلى إلى الأسفل.

6- التعرف على النفس وعلى الظروف المحيطة باستخدام بعض طرق التحليل، ومنها نموذج سوات (SWOT)، حيث "S" في نموذج سوات تعني نقاط القوة عند الخريج Strengths، مثل درجاته في الثانوية والقدرات والتحصيلي إذا كانت عالية، ومهاراته وقدراته وإمكانياته المالية الشخصية وغيرها، "W" تعني نقاط ضعفه "Weaknesses، "O" تعني الفرص المحيطة به Opportunities سواء كانت حالية أو مستقبلية، "T" تعني التهديدات Threats أو المخاطر أو التحديات سواء كانت حالية أو مستقبلية.

العنصران الأولان يحللان البيئة الداخلية، وهي في هذه الحالة نفسه وقدراته الشخصية، والعنصران الآخران يحللان البيئة الخارجية حوله، وهي في هذه الحالة أسرته ومدينته ودولته.

هذه الخطوة تشمل أيضا أن يتعرف على ميوله المهني - غالبا يسمى الشغف - وذلك من خلال إجراء بعض الاختبارات والمقاييس الخاصة بتحديد الميول، ومن خلال استشارة شخص له خبرة في الإرشاد المهني وتحديد الميول يمسى المرشد المهني.

وتشمل أيضا أن يتعرف على أكبر قدر ممكن من الظروف المتعلقة بأسرته: اجتماعية، اقتصادية، ثقافية، صحية، سياسة... إلخ.

7- التعرف على الظروف والعوامل الأخرى التي قد تؤثر في قراره بشكل سلبي أو إيجابي مثل: مجموعة الأصدقاء الخاصين (الشلة)، الوالدين، الإخوة، الأقارب، الثقافة السائدة في المجتمع، الإعلام، المجالس، الانطباع العام... إلخ.

8- تطوير النفس في مهارات اختيار التخصص ومهارات اتخاذ القرار ومهارات التخطيط الشخصي عن طريق القراءة، أو المشاهدة أو الاستماع أو الدورات المتخصصة في هذه المجالات سواء كانت حضورية أو عن بعد (حية أو مسجلة).

والإنترنت مليئة بكثير من المواد في هذا المجال. ومن هذه المهارات التعرف على معادلة أسميها "رفق_م، ع".

تنطق "رفق، ميم، عين"، رفق معادلة مشهورة بهذا الاسم في الإرشاد المهني والأكاديمي حيث "ر" تعني الرغبة والميول (الشغف)، و"ف" تعني الفرص المالية مثل الراتب في المهن الوظيفية أو الأرباح في التجارة والعمل الحر، و"ق" تعني القدرة.

وأنا أضفت عليها "م" و"ع"، "م" تعني مسموح به شرعا ونظاما، و"ع" تعني "عوامل أخرى".

العوامل الأخرى مثل: عوامل شخصية تتعلق بالشخص نفسه، عوامل أسرية، عوامل اجتماعية، عوامل سياسية... إلخ.

وبالتالي تكون المعادلة الشاملة "رفق_م، ع" هي المعادلة التي سنستخدمها في الخطوة التالية، خطوة القوائم الأربع لفرز وتصفية الخيارات.
  1. 9- تطبيق طريقة أسميها "القوائم الأربع" لفرز وتصفية الخيارات، وذلك بأن نستخدم معادلة "رفق_م، ع" المذكورة في الخطوة السابقة، وتقسيم المسارات الفرعية التي تم تحديدها في الخطوة 4 إلى 4 قوائم:
  2. نعم-الطويلة (مناسب مبدئيا).
  3. نعم-القصيرة (مناسبة لك بشكل أكبر).
  4. لا (غير مناسب).
  5. لا أدري (ليس لدي معلومات عنها). القائمة (4- لا أدري) تتطلب البحث عن معلومات عن كل مسار فيها ثم تطبق عليه معادلة "رفق_م، ع" لنقله إلى قائمة (1-نعم مبدئيا) أو قائمة (3- لا).
10- تكرار تطبيق معادلة "رفق_م، ع" على القائمة 1 (نعم-مبدئيا) في الخطوة السابقة ثم انقل المسارات التي بدأ يشعر أنها تناسبه بشكل أكبر إلى القائمة 2 (نعم-القصيرة)، وبالتالي تتكون لديه القائمة 2 التي ستكون مركزة وفيها عدد محدود من المسارات، مثلا 5 مسارات.

11- ترتيب المسارات الخمسة التي تم التوصل لها من الخطوة السابقة من الأعلى إلى الأسفل بحسب مستوى أو درجة التوافق مع معادلة "رفق_م، ع".

12- المقارنة بين المسارات الخمسة وترتيبها التي تم التوصل لها في الخطوة السابقة وفي الخطوة 5، وإذا كان بينهما فرق فمن الضروري التأمل فيها بعمق وتحليل أسباب الاختلاف ثم تحديد القرار النهائي فيها وفي ترتيبها.

وسيكون هذا الترتيب - بإذن الله - هو الترتيب الأكثر مناسبة له.

13- صلاة ركعتي الاستخارة وقل دعاء الاستخارة حول الرغبات النهائية وترتيبها الذي وصلت له في الخطوة السابقة، فإذا ارتاحت نفسك له فاعزم أمرك وتوكل على الله، قال الله تعالى "فإذا عزمت فتوكل على الله".

صلاة الاستخارة ودعاؤها وردت في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري عن جابر رضي الله عنه " كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كالسورة من القرآن: إذا هم بالأمر فليركع ركعتين ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاقدره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري - أو قال: في عاجل أمري وآجله - فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم رضني به، ويسمي حاجته.

14- اختيار الوسيلة المناسبة الذي ستوصله بإذن الله إلى المهنة التي اختارها.

وهذه بعض الأمثلة:
  • وصل إلى نتيجة أن المهنة الأكثر مناسبة له هي مدرس فيزياء في التعليم العام أو عضو هيئة تدريس في الجامعة في تخصص الفيزياء، الوسيلة التي ستوصله إلى هذه المهنة بإذن الله هي أن يكمل دراسته في الجامعة في قسم الفيزياء. ومثلها مدرس كيمياء أو أحياء أو غير ذلك.
  • وصل إلى نتيجة أن المهنة الأكثر مناسبة له هي أن يكون مدرسا للدراسات الإسلامية في التعليم العام أو عضو هيئة تدريس في الجامعة في تخصص الدراسات الإسلامية، الوسيلة التي ستوصله إلى هذه المهنة بإذن الله هي أن يكمل دراسته في الجامعة في قسم الدراسات الإسلامية أو في كلية الشريعة أو الكليات الشرعية الأخرى.
  • وصل إلى نتيجة أن المهنة الأكثر مناسبة له هي أن يكون طيارا حربيا، الوسيلة التي ستوصله إلى هذه المهنة بإذن الله هي أن يلتحق بكلية الملك فيصل الجوية. لاحظ أن هذه المهنة لا تناسبها الدراسة في الجامعة.
  • وصل إلى نتيجة أن المهنة الأكثر مناسبة له هي أن يكون ضابطا جامعيا متخصصا في شبكات الحاسب، الوسيلة التي ستوصله إلى هذه المهنة بإذن الله هي أن يلتحق بالجامعة في كلية الحاسب - تخصص شبكات الحاسب، ثم بعدها يلتحق بالخدمة العسكرية كضابط جامعي، وهذا كما هو معلوم يعتمد على شروط القبول فيها بعد تخرجه.
15- بعد البدء في المسار الذي تم التوصل إليه من خلال الخطوات السابقة إليه، أنصح الخريج بتطبيق قاعدة مهمة في النجاح والتميز والإبداع وهي قاعدة 80/20 (قاعدة باريتو)، والتي من معانيها في هذا السياق أن يوجه 80% تقريبا من تركيزه وجهوده وطاقته في هذا المسار، ويوجه 20% تقريبا في اهتماماته وهواياته الأخرى.

وأنصحه كذلك أن يكثر من الدعاء واللجوء إلى الله أن يمده دائما بعونه وتوفيقه.

وأن يشكر الله أولا وقبل كل شيء على أي إنجاز يحققه، فهو لم يتحقق إلا بتوفيق الله وتيسيره.

16- هذه الخطوة خاصة بالخريج الذي لم يحصل على المسار المناسب له: نظرا لأن المنافسة في هذا الوقت صعبة جدا وقد لا يتحقق له المسار المناسب له لأن شروط المنافسة لا تنطبق عليه، فإن الإجراء الصحيح في رأيي أن يتقدم بطلبات على أكبر قدر ممكن من المسارات المتاحة التي تعرف عليها في الخطوات السابقة، فإذا لم يتم قبوله إلا في مسار واحد فليس أمامه إلا أن يقبل به، وعليه أن يهيئ نفسه أن يتعايش معه، حتى لو لم يكن الخيار الأفضل له، والله تعالى يقول "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون".

a__binali@