بسمة السيوفي

الذكاء الاصطناعي وسوق العمل

الثلاثاء - 06 أغسطس 2024

Tue - 06 Aug 2024

عندما أسمع كلمة الذكاء الاصطناعي تعود بي الذاكرة إلى فيلم تيرميناتور Terminator أحد أشهر أفلام الإثارة والخيال العلمي، الذي قدم منذ 1984م رؤية مستقبلية متشائمة لمفهوم الروبوتات والـ AI بأسلوب مبتكر، حيث تتحكم بالعالم، وتخوض الروبوتات صراعا ضد البشرية.

كنت وقتها أتساءل كيف يمكن لآلة أن تتعلم، تقرر، وتتكيف، بطرق كانت حتى وقت قريب مقتصرة على العقل البشري؟ إلى أن تطور العصر وتلمسنا جميعا الأثر التكنولوجي على حياتنا اليومية، وظائفنا، علاجنا من الأمراض، وحتى طبيعة علاقاتنا بشكل كبير.

أصبح للذكاء الاصطناعي القدرة على تشكيل عالمنا، وكتابة قواعد النجاح والإبداع بدرجة مخيفة.. درجة تدفعنا إلى التفكير جديا في مستقبل الوظائف وسوق العمل.

الذكاء الاصطناعي هو "قدرة الآلة على محاكاة القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها لتنفيذ العديد من المهام، مع الاستفادة من تراكمات التجارب السابقة".

هو أعظم الانتصارات التقنية في عصرنا الحديث... وهو النتاج العبقري للاكتشافات البشرية في مجال التقنية والتكنولوجيا.. تماما مثل اكتشاف النار بالنسبة للإنسان في العصور الحجرية، هناك فئات متدرجة من الذكاء الاصطناعي تطورت إلى روبوتات الدردشة الآلية Chat GPT.. وأعادت تعريف حدود الممكن في سعي البشرية نحو الفهم والتفوق ونحو الاكتشاف والتجديد.

وصلنا لمرحلة الشراكة مع الذكاء الاصطناعي، ومنحه صلاحيات قد نسيطر عليها في الوقت الراهن، لكننا لا نعرف إن كانت هي التي ستسيطر علينا في المستقبل!؟

الذكاء الاصطناعي شريك في السيارات ذاتية القيادة، وفي اكتشافات البحث العلمي، في تشخيص الأمراض والعمليات الجراحية.. حيث يقلل من الأخطاء الطبية بنسبة 30% ويزيد من فعالية العلاج.

هو شريك في التجارة لتحليل مشاعر العملاء والتوصية بالمنتجات، وفي التحليل المالي والكشف عن الاحتيال، في التغيرات البيئية وإدارة الطاقة.. هو أداة مذهلة تطورت بشكل مخيف لتصبح بشكلها الإيجابي الشريك الذي يرفع مستوى الكفاءة ويبتكر الحلول ويتفاعل مع الإنسان. Top of FormBottom of Form.

ومع تزايد تأثير الذكاء الاصطناعي على صيرورة سوق العمل وانتشار التطبيقات الالكترونية التي تسير الأعمال.. تظهر تساؤلات مقلقة حول كيفية تأثير هذه التقنية على الوظائف المستقبلية.. وماهية الفرص والمخاوف التي ترافق التحول الرقمي في أماكن العمل. فعندما تقوم الروبوتات والبرمجيات الذكية بمهام مثل إدخال البيانات ومعالجة الطلبات بسرعة وكفاءة أكثر من البشر ستتقلص الحاجة للوظائف الروتينية، وستهدد الأتمتة الوظائف التقليدية وتزيد من الفجوة بين الأغنياء والفقراء. كما ستظهر وظائف جديدة في قطاع التكنولوجيا.. وسيتغير دور الموظفين ليصبح أكثر تركيزا على الإبداع والاستراتيجيات بدلا من المهام التنفيذية البسيطة، مما سيزيد من معدلات البطالة.

ولنربط ذلك بما تم تحقيقه حتى الآن في إطار الرؤية الواعية للمملكة العربية السعودية في التركيز على أهمية الأنظمة التكنولوجية.. تم إنشاء الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا" ليلحق بها المركز الوطني للذكاء الاصطناعي ومكتب إدارة البيانات الوطنية.

نتيجة لهذا الاهتمام حصلت المملكة على المركز الأول عالميا، تلتها ألمانيا ثم الصين في مؤشر يقيس الاستراتيجية الحكومية للذكاء الاصطناعي لأكثر من 60 دولة. وحققت المملكة المرتبة السادسة ضمن مجموعة العشرين في المؤشر العالمي للأمن السيبراني التابع للاتحاد الدولي للاتصالات، ليتم استقطاب أكبر استثمارات التقنية في العالم بصفقات تجاوزت 6 مليارات ريال في قطاع الحوسبة السحابية.

كل تلك المنجزات المشرفة تقول إن هناك المزيد ليتحقق في ضوء التركيز الذكي على مشاهدة كامل اللوحة محليا وإقليميا ودوليا.

أما عن سوق العمل فسيكون التحدي الأكبر في مواجهة نقص المهارات التقنية، وارتفاع وتيرة القضايا الأخلاقية المتعلقة بالخصوصية والأمن.. في ظل زيادة استخدام الذكاء الاصطناعي وتنامي مشاكل أمان البيانات وخصوصيتها، وارتفاع وتيرة الهجمات الالكترونية وانتهاك الخصوصية الشخصية وتعرض البيانات للسرقة أو الاستخدام غير المشروع، عليه فقد أصبح الأمن السيبراني والحماية من التهديدات الالكترونية أولوية أساسية للدول في العصر الرقمي، لتخفيف المخاطر والحفاظ على سلامة المعلومات.

وبينما نجد أن رؤية 2030 قد ركزت في الأعوام الستة الماضية على البنية التحتية التمكينية، وعلى بناء الهياكل المؤسسية والتشريعية ووضع السياسات العامة، أصبح من الضروري أن يكون التركيز في المرحلة المقبلة على متابعة التنفيذ واستدامة الإنجازات عبر استحداث وظائف مستقبلية ودعم الإبداع والابتكار في هذا المجال.

وحتى نحقق أقصى استفادة من هذا التطور التقني، لا بد أن تتوجه بوصلة البرامج التعليمية والتدريبية إلى المهارات التي تدعم تطوير التقنيات التكنولوجية، وتعزيز سلوكيات العمل المرنة القادرة على التكيف مع التغيرات، لأن الطلب على المهارات التقنية كالبرمجة، تحليل البيانات، والتعلم الآلي سيفضي إلى الطلب المتزايد على التعليم والتدريب في هذه المجالات.

سوق العمل السعودي في المرحلة القادمة يتطلب ديناميكية وكفاءة لضمان الاستفادة من التقنية والاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة، ويتطلب تطوير السياسات الحكومية والتنظيمية بشكل أسرع لتواكب تقدم التكنولوجيات، بما في ذلك تشريعات حماية العاملين وتعزيز سياسات الأمن والخصوصية في المجالات المختلفة، وبشكل يضمن التوازن بين التقدم التكنولوجي وحقوق الإنسان.

الشيء الأكيد أن الذكاء الاصطناعي لن يحل محل الإنسان بالكامل فهو من اخترعه.. ولا يجب أن يعتمد عليه كليا.. لكن الإنسان الذي سيتبنى فكرة شراكة الذكاء الاصطناعي في تشكيل ملامح المستقبل.. سيحل بالتأكيد محل الإنسان الذي لا يفعل، وستبقى التكنوفوبيا Technophobia ومخاوف السيناريوهات المقلقة لفقدان السيطرة على الذكاء الاصطناعي هي الدافع إلى المزيد من الاهتمام والعمل بدقة، تجنبا للمخاطر التي قد تؤثر على مستقبل سوق العمل.

smileofswords@