عبدالحليم البراك

بين نهاية التاريخ والثورات العلمية وتوقف الإنسان!

الاثنين - 05 أغسطس 2024

Mon - 05 Aug 2024

تبدو فكرة نهاية التاريخ تتقاطع بشكل ولو جزئي مع نظرية الثورات العلمية، حيث ترى الأولى بأن الكون يتوقف عند هذه اللحظة التاريخية التطورية، وأن ما يحدث من تطور إنما هو شكلي لكنه لا يغير في أن الإنسان وصل إلى أقصى مرحلة يمكنه أن يصلها في تطور عقله وقدراته في الوصول إلى أفضل مرحلة يمارسها، بينما في الثورات العلمية ترى النظرية أن العلوم تدخل في مرحلة الثورة العلمية في مجالها وتبدع حتى تشعر بأنها تسير إلى خطى لا نهائية، حتى تصل إلى مرحلة تتوقف فيها ويكون الإنسان استنزف كل مجهوداته العلمية، وأن أي تطور فيها يبدو بطيئا، لدرجة يشعر معها أنها هي نهاية تاريخ العلم، وهو ما أقصده من التقاطع بين النظريتين، وهو الشعور الداخلي بالوصول إلى النقطة النهائية أو ما يشعر أنها نهائية.

وحتى تتضح الصورة بشكل أفضل، فإن الإنسان في الثورة الزراعية شعر بأنه في حالة تطوير مستمر للنبات، وحقق نتائج غير مسبوقة، شعر الإنسان لحظتها بأنه لن يواجه أي مشكلة غذاء إذا ما استمر نمو العلوم والثورة الزراعية بهذا الشكل المتسارع بشدة، والذي يشعرك بأن ثمة سباقا محموما بين عدد البشر وأفواههم وبين العلم الزراعي الذي يسبق تلك الأعداد بكثرة، والمفاجأة أن الإنسان توقفت كل جهوده في الثورة الزراعية – إلا نزرا يسيرا حتى الآن نشاهده وبعضه محسوب على علوم أخرى – بينما أعداد البشر لا تزال تتزايد بشكل مستمر.

إذن ما يمكن التأكيد عليه أن ثمة "شعورا"، والحقيقة أن العقل الإنساني لا ولن يتوقف وهو يخلق في كل مرة ثورة علمية في مجال معين مبهرة تجعل من البشرية تسعد أكثر ولو على المستوى السياسي، فلن نتوقف عند الديمقراطية التي هي السمع والبصر للعالم، وكل يدعي وصلا بها، فإن ثمة شيئا ما في جعبة البشرية في مجال النظرية السياسية يمكن أن يكون أكثر إبداعا من الديمقراطية، لكن العقل البشري لم يصل إليه بعد.

ولو جاز لي أن اضرب مثلا، فإن كانت الإنسانية قدمت ثورات علمية زراعية ثم صناعية والآن تقنية، وقدمت أيضا ثورة فكرية فلسفية في الألفين سنة الماضية فإنها ربما – وهذا تنبؤ فحسب – تكون على أعتاب ثورة في مجال علم النفس وعلم الإنسان، يتم فيها تسخير علوم أخرى مثل العلوم التقنية والصناعية، وعلوم رياضية مثل الإحصاء والرياضيات والمقارنات والذكاء الاصطناعي، لتخلق هذه العلوم مجتمعة ثورة في علم النفس يمكنها أن تطور هذه الثورة من صورة حياة الإنسان سواء من لحظات الميلاد حتى الموت في حياة الفرد، أو أن تطور أنظمة اجتماعية سياسية، أن تخلق منظومة جديدة لحياة الإنسان في المجتمع مثل الديمقراطية والعلاقة بين الأمم وإدارة الأزمات البشرية واتحاد البشر في مواجهة الطبيعة، وحتى في انتقال الإنسان للحياة في الفضاء أو في أعماق البحار أو غيرها مما يمكن اعتباره حلما فنتازيا أو حتى جنونا فكريا يشبه لو جاء رجل من العصر الحجري ليرى كمية الحديد الذي يطير في السماء على هيئة طائرة تنقل البشر، أو كمبيوتر يستطيع أن ينظم حياة البشر في المدينة على هيئة تطبيق صغير في هاتف محمول.

لحظتها في هذه المتغيرات العظيمة سوف نقول إن نهاية التاريخ ممكنة في ثورة محددة، لكن حياة البشر لا يمكن أن تتوقف في جدليتها عن التطوير المستمر ما دام النقد والتفكير هما ما يميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية!

Halemalbaarrak@