عبدالله حسن الزهراني

دروس من الخفاء: هل تتجنب شركة الصحة القابضة أخطاء الماضي؟

الاثنين - 05 أغسطس 2024

Mon - 05 Aug 2024

في إحدى زوايا القطاع الصحي الحكومي، نجد أحمد الذي أمضى أكثر من عشرين عاما في تقديم الخدمات الصحية، مستعينا بشهادته التي تخوله ممارسة تخصصه الفني البحت دون المهام الإدارية.

أحمد الذي اشتهر بحزمه وجديته في عمله، تولى مؤخرا مسؤولية إدارة كيان صحي مركزي يضم تحت مظلته مئات الموظفين من مختلف التخصصات.

كان أحمد يؤمن بأن النجاح يتحقق من خلال الانضباط الصارم والتنفيذ الدقيق للإجراءات، ومع ذلك، وبالرغم من اجتهاده الكبير، فإن نقص خبرته في الإدارة جعله يغفل أهمية العنصر البشري، وأدت قراراته الحازمة التي كان يعتقد أنها الأمثل بناء على معرفته وخبرته إلى زيادة معدلات دوران الموظفين وهدر الموارد، وقلة الإنتاجية على الجانب الآخر.

نلتقي بصالح، الإداري الذي قضى سنوات عديدة في مكتبه الصغير، متعايشا مع حياة هادئة ومحدودة الطموحات، فجأة وجد صالح نفسه في منصب مدير منشأة صحية، كأنه قد اعتلى قمة العالم بهذا المنصب الجديد، الشعور بالقوة المكتسبة جعله يمارس سلطته على الموظفين دون أن يمتلك الأدوات أو الخبرات اللازمة لذلك.

صالح استمتع بهذا الشعور الجديد بالسيطرة، لأنه استشعر أهمية جديدة لذاته لم يعهدها من قبل، وحرصا على الحفاظ على هذه المكانة، أصبح ينفذ كل ما يملى عليه دون تفكير أو تمحيص، هذا الأسلوب الإداري أدى إلى تدني جودة الخدمات واحتراق الموظفين الذين وجدوا أنفسهم تحت إدارة غير مؤهلة، تفتقر إلى الحكمة والبصيرة في تسيير الأمور.

أما سارة فهي ممرضة متفانية، عرفت بتميزها في مجال تخصصها، ونتيجة لتفانيها وللاستفادة منها بشكل أكبر، تم تعيينها مديرة لكيان صحي يقدم خدمات صحية متنوعة، بعضها خارج نطاق تخصصها.

سارة التي كانت تسعى دائما للتميز، وجدت نفسها في موقف صعب، حيث بدأت تتبع توجيهات المسؤولين دون أن تدرك العواقب القانونية لتلك القرارات، وعندما حدثت مشكلة، وجدت سارة نفسها المسؤولة رغم أنها كانت تتبع أوامر رؤسائها.

لم يكن لمعان نجم سارة في مجالها كافيا لإدارة مسؤوليات خارج نطاق معرفتها، مما أدى إلى خسارة الكيان الصحي لكفاءتها وتفانيها في مجالها الأساسي، وتحملها تبعات قرارات لم تكن مؤهلة لاتخاذها.

تجسد هذه القصص واقعا متكررا في القطاع الصحي العام، حيث يؤدي تعيين قادة غير مؤهلين إلى فوضى إدارية وتراجع في جودة الخدمات الصحية، فضلا عن تدهور الروح المعنوية للموظفين.

لا يمكن تحميل أحمد أو سارة أو صالح كامل المسؤولية، بل يمتد اللوم إلى بنية النظام الصحي العام التي تعاني من ضعف في اختيار وتطوير القيادات المؤهلة.

اليوم تقف شركة الصحة القابضة أمام فرصة استثنائية لإعادة هيكلة النظام الإداري، خاصة في هذه المرحلة التحولية للقطاع الصحي العام.

فمن خلال وضع معايير دقيقة واشتراطات واضحة للمناصب الإدارية، يمكن للشركة أن تضمن وجود قيادة مؤهلة لتحقيق الأهداف الاستراتيجية للتحول الصحي، وتحسين كفاءة وجودة الخدمات الصحية.

فهل ستتمكن الشركة من استغلال هذه الفرصة لتجاوز أخطاء الماضي؟ الوقت كفيل بالإجابة.

AbdullahAlhadia@