مرفت عبدالجبار

باريس تحرج نفسها!

الأحد - 04 أغسطس 2024

Sun - 04 Aug 2024

لقد تابع العديد من المهتمين بالألعاب الأولمبية نحو العالم وحتى غير المهتمين حفل افتتاح الألعاب الأولمبية في باريس في نسختها الثالثة والثلاثين، وكان المتوقع كما هو المعمول في كل دورة أولمبية أن تبرز فعاليات الافتتاح الجانب الثقافي للبلد المستضيف، أو يستعرض تاريخ تلك اللعبة، أو كل ما هو متعلق باللعبة نفسها ولا يعتبر خارجا عن حدودها أو يعارضها بشكل من الأشكال، كالمواضيع السياسية والدينية والأجندات الدولية والحركات الفكرية وغيرها، وهو ما تم نسفه تماما في هذه الدورة من الألعاب الصيفية، وذلك عبر التطرق لمواضيع وأفكار تتعارض حتى مع توجهات سكان من البلد المستضيف!

لقد قدمت لنا هذه الدورة من الألعاب الأولمبية نموذجا "مثيرا للاشمئزاز" كأقل كلمة يمكن أن تصف الحفل!، والذي يعتبر في مجمله تعديا على الأفكار الدينية والتربية الأسرية والثقافة الاجتماعية، بل ومناصرة الدعاوى الشاذة بشكل سافر وفاضح يعري الفكر الغربي المؤيد لتلك الأفكار، والفكر الفرنسي المعاصر بشكل خاص، كونها البلد المستضيف الذي رضي بتقديم هذا النموذج بدلا من إبراز مظاهر الثقافة والتاريخ الذي تحفل به متاحفهم، والحضارة والحداثة، والتي أشير إليها بشكل هامشي، أو على أقل تقدير التشجيع على اللعبة وترحيبهم بالعالم!

حتى أن الأطفال لم يسلموا من ذلك التلوث البصري الذي حصل سواء بوجود طفلة بين الراقصين أو (المهرجين) إن صح الوصف، أو بتهميش الفئة العمرية الصغيرة الحاضرة والمشاهدة للحفل (للفرح والترحيب ببعثاتها)!

لكم أن تتخيلوا لو انقلبت المعادلة، وقامت دولة من دول الشرق الأوسط كدولة عربية و إسلامية على وجه التحديد باستعراض "الثقافة الدينية" التي تعد جزءا من الهوية المجتمعية، فقاموا مثلا: بالدعوة للإسلام، أو الدعوة للحجاب، أو المحافظة على القيم الأسرية وغيرها من مسلمات لا تنفك عن هويتنا، في محفل عنوانه "الرياضة والرياضيون"، يا ترى كيف ستكون ردة الفعل الغربية المتطرفة تجاه تلك المادة المقدمة؟!!، حتما ستحارب تماما كما حورب مونديال قطر حتى من قبل أن يبدأ فقط لعدم السماح بما لا يتماشى مع هوية وثقافة البلد كبلد مسلم، كإجراء وحق قانوني وأمني واجتماعي (منع فقط) دون حتى جعله مادة ومحورا للحديث الإعلامي!

عندما تنظر للحفل تجد أن كل أفكار اليسار الفرنسي والليبرالي المتطرف وجدت فيه الفرصة المنتظرة لبث ثقافة الاهتراء والانسلاخ من الإنسانية على مسرح يشاهده الملايين لدعم أفكار لا يؤيدها إلا حفنة من المختلين!، غير أن العقلاء في كل العالم بمختلف دياناتهم وتوجهاتهم رفضوا هذا التشوه البصري والنفسي رفضا قاطعا، وشجبوه حتى من الداخل الفرنسي وهو ما أثمر تباعا حذف موقع الأولمبياد الرسمي للحفل بالكلية!

اليقظة شعاع حر يشترك فيه كل من انتمى للمكون "الإنساني" كفطرة نقية، وليس لمن مجد المكون "النقيض" وعرى عقله الضحل أمام الملأ ليجد ما يستحقه من كل عبارات التحقير!