علي المطوع

في ذكرى غزو الكويت

السبت - 03 أغسطس 2024

Sat - 03 Aug 2024

كان والدي - يرحمه الله - يحرص كل صباح على سماع نشرة السابعة من إذاعة BBC، وفجأة سمعت وإياه ماجد سرحان وهو يذيع خبر غزو العراق للكويت، كان والدي مشدوها عند سماعه الخبر، وكنت أراقب جديته وهو يضبط وضع المذياع ليستمر سيل الخبر صافيا، وبعد لحظات ومن تقاسيم وجهه المصدومة، أيقنت ثقة في والدي وفي ردة فعله أن كارثة عظمى قد حلت بالعرب.

الثاني من آب / أغسطس 1990م ارتكب صدام حسين خطأ كارثيا ما زال العرب يعيشون تداعياته الخطيرة حتى الآن، يتمثل في قرار غزو دولة الكويت المسالمة، كان وقع المصيبة على السعوديين كبيرا جدا، فصدام وجيشه الجرار أجهزا على دولة مسالمة صغيرة في سويعات قليلة، وصدم صدام العالم بخبر الاجتياح، فبالأمس كانت الكويت وفي الثاني من أغسطس عاد الفرع إلى الأصل! وعلى رأي أحد المثقفين المصريين تعبيرا عن هذه الحالة قال: صدام أخرج الكويت من الجغرافيا وأدخلها التاريخ!
جيلي ومن سبقه بقليل يتذكرون تلك الأيام العصيبة ويذكرون تلك المآسي التي تجرعها الشعب الكويتي في الداخل والخارج، ولعل الجميع عندما يعودون إلى تلك الأيام يعرفون الموقف الحصيف الذي وقفته السعودية بقيادة الملك فهد عندما قرر إعادة الكويت وعدم الرضوخ لأية تسويات أو مفاوضات ترفض هذا المبدأ الأصيل الذي ارتأته السعودية آنذاك قيادة وشعبا.

والسؤال هنا ماذا لو لم يكن لصدام تلك المغامرات العسكرية، كيف سيكون وضع عالمنا العربي اليوم وقضاياه المصيرية المختلفة على مختلف الصعد؟
بعض وجهات النظر تقول إن العراق لو ترك إيران بعد ثورته لربما حصلت هناك انشقاقات وثورات داخل النظام نفسه، ولكن الحرب التي بدأ العراق رصاصتها الأولى ولم يبدأها، كانت إحدى الوسائل التي استخدمها النظام الإيراني لتوحيد الصفوف وتوجيه الإمكانات لعدو خارجي أصبح متوغلا في الأراضي الإيرانية، وهنا توحدت الجبهة الداخلية الإيرانية وتجذر النظام أكثر وأصبحت كل الكتل المختلفة آنذاك متفقة مع الخميني في وجوب أن تكون الأولوية لردع العدوان.

وبعد أن وضعت هذه الحرب أوزارها وأعلن صدام انتصار العراق، عاد في مغامرة غير محسوبة ولا متوقعة لاجتياح الكويت، هذا الغزو وما تبعه من أحداث غيرت خارطة الشرق الأوسط وأخرجت الجيش العراقي من لعبة التوازنات الإقليمية التي كانت تحكمها في ظل وجود جيش له عدته وعتاده وخبراته التراكمية التي صنفته ضمن الجيوش الأكثر تقدما وتنفذا في العالم آنذاك.

ولذلك، كان وسيظل غزو الكويت منعطفا خطيرا في تاريخ الشرق الأوسط، ما زالت المنطقة تعيش تداعياته الخطيرة، نتج عنه تغول إيراني في العالم العربي، صاحب ذلك فوضى عارمة وتراجع في مستوى معيشة الإنسان العربي في ظل ثورات ما يعرف بالربيع العربي التي أتت على كل ما تبقى من أمل كان يمكن أن يستظل به العربي ليعيش حياة كريمة.

في ذكرى هذه الحادثة المؤلمة يتجدد الأمل عند العرب في تجاوز هذه الذكرى وتداعياتها المحبطة، وفتح صفحة جديدة من صفحات التاريخ ليكتب فيها فصلا جديدا من فصول الرخاء والاستقرار لهذا الامة، التي تملك من الإمكانات والتاريخ والجغرافيا ما يحقق لها ذلك، إلا أن الإرادة الجمعية لهذه الشعوب ما تزال قاصرة في الحلم بهذا الشيء ناهيك عن العمل على تحقيقه.

alaseery2@