عبدالله سعود العريفي

ميت على قيد الحياة 

الخميس - 01 أغسطس 2024

Thu - 01 Aug 2024

أقبل بعد طول غياب بوجه نحيل قد ذابت فيه خطوط من العجز مع خطوط من الحزن فكانت كالشيء الواحد، بدأ ينتقل من انفعال لانفعال وهو نصف مذهول، وبدأ يتحسس رأسه بيدين خاويتين تجاعيدهما وخطوطهما أكبر من ألا ترى، وقد اشتعل رأسه بشيب لم يتبق منه سوى شعيرات بيضاء متفرقة كانت تحمي رأسه يوما من أشعة الشمس، وقال لصاحبه متسائلا: هل جربت أن تتسرب الحيرة إلى حياتك وتدخل الدهشة إلى عالمك وتبعزق تقاسيم فرحك وتبعثر ابتساماتك ثم تتسلل إلى قلبك وتقوض منه السعادة؛ فيصبح أشبه بجزيرة هجرها سكانها للبحث عن الهدوء والارتياح؟
وتابع وهو منسرح الفكر شارد الذهن يكاد يفقد القدرة على ربط أفكاره وتعبيراته: الحياة تفاجئنا على غير انتظار وتأتينا على حين غفلة بمجموعة كبيرة من التحديات من شأنها إيجاد تغيرات أساسية وإحداث تحولات جذرية في الكيفية التي نعيش بها؛ فصارت ضغطات الأزرار والمحادثات الرقمية المكتوبة والمنطوقة عوضا عن التواصل والاجتماع والترابط والارتباط، وأصبحت الصور الرمزية والملصقات والرموز التعبيرية بديلا عن التعبير عن المشاعر والأحاسيس التي تظهر على قسمات وجه الإنسان وعبر أحاديثه وكلامه، مما يجعله أكثر حيوية وتفاعلا، ويجدد نشاطه النفسي والعاطفي وينظم علاقته بمن حوله، وغدت رسائل الأجهزة المحمولة المرسلة عبر شبكات الهاتف الجوال بديلا عن المصافحات والتقاء الأيدي وإلصاق صفحة الكف بالكف وإقبال الوجوه على الوجوه؛ فأخشى أن أكون يوما من الأيام "ميتا على قيد الحياة".

فأجابه صاحبه بابتسامة عريضة على وجهه: هون عليك؛ فهذه هي الحياة ما من أحد إلا ويعاني؛ فالتطور التقني ساعد على تغيير كل مناحي الحياة في العصر الحديث، وكان لذلك سلبيات انتشرت نتائجها وتوالت تبعاتها؛ فأقلقت أمزجتنا وكدرت طبائعنا وأزعجت أحوالنا واختلست استقرار أرواحنا وعكرت استعدادنا النفسي بسبب التقنيات المتغيرة بوتيرة متسارعة جدا؛ فأصبحنا نحيا بين أحداثها بسطحية تامة والتصرف بالحكم على الأشياء دون معرفتها ومن غير استقصاء ودون تدقيق ودون عمق في التحليل.
صرنا نتلقى كل شيء ودون تمييز بين الأشياء بوضوح ودون معرفة الغث من السمين ودون إدراك الأمور على حقيقتها ودون فهم ماهية الأشياء وأهميتها؛ فالإغراق المعلوماتي يواجه الإنسان في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت سابق، ولا غنى عن امتلاك مهارات الوعي المعلوماتي التي تجعل الإنسان مستخدما مدركا ومتنبها لتقنيات الاتصالات والمعلومات وباحثا ومحللا واعيا ومقيما لفعالية وكفاءة المعلومات التي يحصل عليها أو يواجهها للتعامل بنجاح مع ذلك الإغراق والتصدي له على المستوى الشخصي؛ فالاستمرار في ذلك الإغراق – لا شك – أن له تأثيرات سلبية على الإنسان؛ فيجد نفسه دائما أمام مجموعة من المشاق والمواقف الصعبة والتحديات الكبيرة للوصول إلى المعلومات المطلوبة وسط ركام من المعلومات غير المستحبة أو المرفوضة أو غير المرغوب فيها؛ فينتهي به الأمر إلى مشاكل قد تنطوي على حالات جسدية وعقلية من التعب الشديد والاستياء والانزعاج والإحساس بالضيق والحرج وإشغال النفس بالهموم والغموم.
لكن بالوعي المعلوماتي والمقدرة على امتلاك عزيمة قوية للتغلب على المشاق والمآزق والصعاب والتعامل مع الأمواج المتلاطمة والمتضاربة والمتداخلة من المعلومات، سيؤدي ذلك وبشكل كبير إلى السيطرة على ذلك الإغراق والتحكم فيه والتغلب عليه.