خالد عمر حشوان

الشراء القهري وكيفية علاجه

الثلاثاء - 30 يوليو 2024

Tue - 30 Jul 2024

قد يغفل الكثير من البشر عن هذا المصطلح الذي يعبر عن مرض نفسي، يرى بعض الخبراء أنه نوع من أنواع الإدمان ويتمثل في الرغبة القهرية للشراء المفرط واضطرابات الاندفاع وعدم القدرة على السيطرة عند الشراء خاصة في هذا الزمان الذي كثرت فيه العروض والإغراءات والتخفيضات والتسهيلات والمنتجات ووسائل الشراء الالكترونية ووسائل التوصيل السريع وتسهيلاتها وأقساط الشراء المريحة والقروض الميسرة من البنوك وبطاقات الائتمان، وهو مرض يصيب النساء أكثر من الرجال ويعاني أصحابه من الحاجة المستمرة للإنفاق.

وأطلق عليه إميل كرايبيلن وهو طبيب نفسي ألماني، اسم «أونيومانيا» عام 1915م من واقع أعراضه التي تتمثل في صعوبة مقاومة رغبة الشراء المفرطة عند البعض وهوس متابعة التخفيضات والعروض وكل جديد وحب التغيير والتسوق الفردي بشكل مستمر لسلع ومنتجات غير ضرورية والشعور بالمتعة والنشوة عند التسوق ويعتبرونه وسيلة للتخلص أو التخفيف من التوتر والضغط وتحسين المزاج وتهدئة المشاعر المؤلمة، وما أن يتم الانتهاء من التسوق والشراء حتى يبدأ الشعور بالندم وخيبة الأمل والحسرة بسبب الصعوبات المالية والمشاكل العملية والأسرية والصحية وسوء استثمار الوقت والمال في احتياجات غير أساسية من واقع التسوق غير المنضبط وعدم التحكم في السلوك الذي يؤدي لهدر الموارد المالية والتخلف عن سداد القروض وزيادة الديون وتكوين سجل غير جيد مع البنوك والإفلاس في بعض الحالات.

تعتبر الفئة الأكثر رغبة في الشراء القهري هي فئة الأشخاص الذين لديهم بعض أعراض الوسواس القهري وذات المستوى التعليمي الأقل ولديهم تدني في احترام الذات وعدم الثقة بالنفس واضطراب في الشخصية وعقدة النقص واندفاع في السلوك وعدم التخطيط والتنظيم المالي في الإنفاق، ويرجح علماء النفس أن أسباب الشراء القهري عند هذه الفئة يعود لتعرض البعض لحوادث مؤلمة أو الشعور بالحرمان خاصة في مراحل الطفولة أو تنشئة الأطفال على أن هدف الحياة هو المادة وأنها مفتاح السعادة والرفاهية والنجاح، كما أظهرت بعض الدراسات أن البعض منهم يعانون من خلل في الناقلات العصبية الكيميائية مثل السيروتونين مما يصعب كبح جماح رغباتهم المتكررة لغرض معين، وهو نفس الخلل المصاب به مرضى الوسواس القهري.

لذلك من الطبيعي أن تكون هناك خطوات عملية لعلاج هذا المرض النفسي والتي ترتكز على العلاج أولا بالمؤثرات العقلية وهي مضادات الاكتئاب، وثانيا بالعلاج السلوكي المعرفي بداية بتحديد كيفية تطور عملية الشراء لدى هؤلاء الأشخاص لتصبح مشكلة قهرية، ثم وضع استراتيجية فعالة لتتبع مشاعرهم السلبية ودوافعهم التي يعانون منها، ثم تليها مرحلة التثقيف بأن السلع والمنتجات الإضافية قد توفر الراحة والمتعة اللحظية في البداية والتي تتلاشى بمجرد انتهاء العملية الشرائية، كما أن استثمار أوقات الفراغ في أنشطة مفيدة كالعبادة وممارسة الرياضة والقراءة وزيارة الأقارب والأصدقاء أو إكمال الدراسة عن بعد، يفيد في القضاء على وسواس التسوق القهري.

ومن أهم الخطوات في العلاج هي وضع ميزانية محددة للشراء والالتزام بها مع إدارة البطاقات البنكية وخاصة بطاقات الائتمان بشكل متوازن حسب الاحتياجات الضرورية وتخفيض الإنفاق المفرط عند الشراء أو التخلص من بطاقات الائتمان في حالة عدم القدرة على إدارتها بالشكل الأمثل، وعدم الحصول على قروض إلا من أجل احتياجات أساسية، كما يفضل عند التسوق تحديد المبلغ المراد صرفه في عملية الشراء مع قائمة الاحتياجات الضرورية لرحلة التسوق والالتزام بذلك مهما كانت المغريات والعروض.

أخيرا وليس آخر، أحببت أن أذكر بحديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام الذي حذرنا فيه من إضاعة المال حيث قال «إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال» (صحيح مسلم).

ومعنى «إضاعة المال» أي الإسراف فيه ووضعه في غير موضعه أو صرفه في غير وجوهه الشرعية والضرورية أو إنفاقه في المعاصي والعياذ بالله.

HashwanO@