عبدالله علي بانخر

اقتصاديات الوسائل الرقمية: والصعود إلى الهاوية

الاثنين - 29 يوليو 2024

Mon - 29 Jul 2024

في الصراع الشرس المحموم بين الوسائل التقليدية والوسائل غير التقليدية (الرقمية) يعد عام 2024م عام الحسم النهائي لهذه المعضلة، من المتوقع مع بدايات عام 2025م أن تتسيد الوسائل غير التقليدية أو الرقمية المشهد الإعلامي والإعلاني على حد سواء بالرغم من تداخل البعض منها أحيانا، وربما بل أصبح من المؤكد سقوط آخر معاقل الوسائل التقليدية «التليفزيون» بمشاهدته غير الرقمية عبر المنصات او التطبيقات الالكترونية، ومع تزايد التراجع بكل تأكيد في الوسائل التقليدية الأخرى مثل الصحف (جرائد ومجلات) يتوقع تلاشي التليفزيون بمشاهدته الجماعية المعتادة سابقا في العام المقبل.

تكمن إشكالية تسييد أو تصدر الوسائل الرقمية إعلاميا وإعلانيا ليس فقط في كون الوسائل كانت اقتصادياتها الاختلاف الجوهري أو الاختلال النسبي من الوسائل التقليدية فقط، ولكن في أساليب التعامل مع اقتصاديات الرقمي بشكل مجحف وملحوظ للغاية لأغلب صناع المحتوى في العالم مؤسسات وأفرادا، وعادة ما يتم تقييم نسب التلقي من قبل الجمهور لأي وسيلة كانت تقليدية أو غير تقليدية بأعداد ونوعيات الجمهور المتلقي، ويتم حسابات التكلفة لقيمة هذه الوسائل سوقيا وتسويقيا للإعلان من خلالها لكل ألف متلق من الجمهور أو ما يطلق عليه التكلفة لكل ألف باللغة الإنجليزية Cost Per Thousand in English أو لكل ألف Mille in French باللغة الفرنسية، ووفقا هذه المعادلة الحسابية يتم تحديد مدى قوة تأثير الوسيلة وأثرها أو مردودها الاستثماري Return Of Investment وبالتالي يتم تحديد أسعار الإعلانات من خلالها وفقا لتلك المعادلة.

وقبل التحدث عن الفرق الشاسع في الأسعار بين الوسائل التقليدية وغير التقليدية الرقمية لابد من التطرق أولا إلى مدى الإجحاف البين والظلم الأبشع في تحكم عدد محدود لا يتجاوز 6 من كبريات المجموعات من الشركات العالمية في نصيب الأسد من الدخل الإعلاني.. وهذه المجموعات ووفقا لأحجامها حسب الترتيب الآتي:
  1. ألفابيت Alphabet
  2. أمازون Amazon
  3. آبل Apple
  4. بايت دانس ByteDance
  5. ميتا Meta
  6. لينكد إن LinkedIn
تهيمن هذه الشركات على معظم الشبكات الاجتماعية والوسائط الخدمية والإعلانات والرسائل المتبادلة والفيديوهات المتداولة ومصادر البحث والتصفح الالكتروني وأنظمة التشغيل وفقا لبرمجيات وخوارزميات الكترونية مستخدمة.
  1. ميتا Meta بسعر 7.17 دولارات أمريكية لكل ألف متلق نظريا ومليون متلق عمليا.
  2. تيك توك بسعر 3.45 دولارات أمريكية لكل ألف متلق نظريا ومليون متلق عمليا.
  3. يوتيوب بسعر 3.05 دولارات أمريكية لكل ألف متلق نظريا، ولكل المنصات الأخرى بالتأكيد مساويا لذلك أو ربما أقل.
ما يزيد الطين بلة أو يزيد الأمر سوءا ما يقدم بيعيا فيما بعد من خصومات وحوافز يضاف نسب الألف ضعفا لكل ألف متلق أو أكثر وفقا لقوة الوسيلة المستخدمة وبطبيعة المحتوى المقدم.. بمعنى أن المحتوى الأقوى يبيع لكل ألف متلق ويزيد في الخصومات والحوافز لكل عشرة آلاف أو مائة ألف زيادة، بل تصل في أغلب الوسائل إلى استبدال ألف متلق بمليون للوسائل الأقل والمحتوى الأضعف طبعا.

بنظرة سريعة على أسعار الإعلانات للوسائل الرقمية الأقوى نكشف الفجوة البعيدة والهوة المتسعة بين الوسائل الرقمية وما كانت عليه الوسائل التقليدية في السابق.. ومن المتوقع أن تتسع الفجوة بين إجمالي الإنفاق الإعلاني العالمي والمتوقع بلغه تريليون دولار أمريكي بنهاية هذا العام، ولكن حساب الصافي المتحقق للوسائل والذي كان لا يتجاوز 40% في المعدل العالمي للوسائل التقليدية في السابق يصل الآن ربما إلى 80% في الوسائل الرقمية.

صحيح إن الماضي ماض وأبدا لا يعود ولكن ما لم تتضح الصورة أكثر جلاء وتكون الأرقام أكثر دقة بالنسبة للوسائل الرقمية.. ستصبح الوسائل الرقمية بعد الوسائل التقليدية في مهب الرياح بوتيرة أسرع. ويتجه العالم إلى المزيد من الهدر في اقتصاديات هذه الوسائل الإعلامية والإعلانية عموما والرقمية خصوصا.

بعد أن ترحمنا ولا زلنا على الوسائل التقليدية خلال 3 عقود مضت تقريبا.. فإن الأمر بالنسبة للوسائل الرقمية قد لا يحتاج أكثر من 3 أعوام وربما أقل.. ولعل هذا المقال بمثابة جرس إنذار مبكر لما يمكن أن تؤول إليه الأمور بالنسبة للوسائل الرقمية غير التقليدية، ولا عزاء قريبا في الوسائل الرقمية وغيرها أيضا إلا من رحم ربي طبعا، ولكل قاعدة استثناء ولكل استثناء ظروفه الخاصة وملابساته المختلفة، ونسأل الله السلامة لجميع الوسائل الرقمية وغير الرقمية لإيقاف نزيف الهدر في اقتصاديات هذا القطاع الحيوي الهام المعين على جودة الحياة العصرية حفاظا على مقدرات الدول والشعوب في آن واحد.

aabankhar@