خالد العويجان

نتنياهو والحوثي وشرعنة الإرهاب

الاحد - 28 يوليو 2024

Sun - 28 Jul 2024

الحياة عبارة عن دوائر، وكواليس، وما بداخل تلك الدوائر، وما وراء الكواليس مجهول أو غامض.

والسياسة جزء لا يتجزأ من أيام العباد ومعيشتهم وحركاتهم وسكناتهم. والحب عياذا بالله سياسة.

والجميلات الفاتنات أبرع ما يمكن أن يكن في السياسة.

يعيّن متى يتقدمن، ويتراجعن في الوقت المناسب. وضحاياهن كثر.

والسياسة في مفهومها العام، بقدر ماهي مسمومة التفاصيل، بقدر ما أن فهمها واستيعاب دهاليزها الدقيقة ممتع إلى حد كبير.

وما لم تكن معي، فأنت ضدي، له وضعه الخاص في تلك العوالم.

والسياسي بلا خصوم إما أن يكون فاشلا بالمطلق، أو شخصا في مكان غير مناسب. مثله مثل الصحفي.

فأنا وأشكالي من الصحفيين، ما لم يؤرق وزارة ما، إن كان يعمل في النطاق المحلي، أو دولة أو حزبا أيا كان موقعه، ما إذا كان متخصصا في السياسة، فهو لا يستحق الانتماء لبلاط صاحبة الجلالة.

المقدمة أخذت أكثر من قيمتها وقدرها... أعلم ذلك، إنما لأن الأمر الذي هممت بتقليب أوراقه هذا اليوم، معقد إلى حد كبير، فقد كلفني ما سبق من سطور.

لا سيما وإن كان التطرف السياسي حاضرا من عدة جهات.

ماذا أعني بالتطرف السياسي؟ أعني سيف رئيس الوزراء الإسرائيلي بينامين نتنياهو الذي أشهره في العاصمة الأمريكية واشنطن، التي تعيش مخاضا سياسيا ديموقراطيا، نظير انصراف الرئيس الأمريكي جو بايدن عن الانتخابات الرئاسية، على حساب بزوغ نجم دونالد ترمب.

وأقصد بالمقابل اتساع رقعة الإرهاب التي تجسدها جماعة أنصار الله «الحوثي» في اليمن، التي بلغت طائراتها المسيرة الأراضي الإسرائيلية.

ما وجه الشبه بين هذا وذاك؟ الأول مغتصب لأرض ليست ضمن حقوقه.

والثاني كذلك، اغتصب السلطة في اليمن واحتل الأرض وأحرق الحرث والنسل.

والاثنان قواميس الحرب حاضرة لديهما على الدوام.

والقضية ليست في صدد المقارنات، بل إنها متطابقة في التفاصيل الدقيقة، والدم والإرهاب، والفشل السياسي، بين من يدير الحياة في تل أبيب، والآخر في كهوف صعدة.

كيف؟ نتنياهو الذي يحاول اكتساب الشرعية في تخبطاته الدموية، يعاني من السقوط في وحل الداخل، وواجه ولا يزال أحزابا يهودية متطرفة دينيا وسياسيا.

وما هو أهم وأعمق بكثير من الحديث بالعموميات، يتمحور حول فشل تكريس مفهوم الدولة الإسرائيلية، الذي تسبب به عجز الحكومات المتعاقبة، عن اقتلاع ومواجهة كيانات فاشية مكونة من شراذم وشذاذ الأفاق، كميليشيات حزب الله في لبنان، وحركة حماس في قطاع غزة، على رغم أن إسرائيل تملك في ذلك النطاق الجغرافي، عامل التفوق العسكري والقوة الضاربة، والصوت الأعلى سياسيا، والأكثر تعاطفا من قبل الحلفاء.

ماذا عن الحوثي؟ هو كسابقه؛ لا يفهم إلا لغة القتل بالدرجة الأولى، دون تفرقة بين طفل أو شيخ أو سيدة.

وذلك في إطار ما ذكرته في البداية – ما لم تكن معي فأنت ضدي - هذا أولا.

ثانيا، لم ينجح في حشد الشارع اليمني وراء مشروعه الذي أسقط على أساسه الدولة، وانزلقت إلى مفترق طرق.

ثالثا، لجأ إلى محاولة كسب تأييد الرأي العام العربي المستضعف والساذج، عبر إطلاق طائراته المسيرة نحو تل أبيب دفاعا عن غزة!.

وذلك ليس من باب الشجاعة، إنما من منطلق استغفال شريحة من الشارع العربي، أرادها أن تقف خلف مشروعه التخريبي لشرعنة تطرفه وتخريبه.

وهذا بالمناسبة يشبه رفع صور حسن نصر الله، في عواصم عربية، حين كذب كذبته التاريخية، بتحرير الجنوب اللبناني من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000.

وحتى في الخطاب السياسي، يتضح التشابه بين الاثنين.

كيف؟ يتسول نتنياهو في خطاب له أمام الكونجرس الأمريكي قبل أيام، الوقوف إلى جانب بلاده، بمواجهة ما سماه «محور الشر» بقيادة إيران في المنطقة. ولديه كثير من الحق في ذلك.

وهذا معروف ولم يأت بجديد. لكنه سقط في شراك القول والعمل.

أعني أنه بات أسيرا لوعوده، إذ ردد على الدوام قدرته على مواجهة إيران، إلا أن الوقت كشف عدم امتلاكه استراتيجية لضرب رأس الأفعى، لا ضرب الوكلاء العاملين لصالحها في المنطقة.

وهذا تناقض سياسي فاضح، يؤكد الإرباك الذي يعاني منه هو وحزبه، خصوصا بعد حرب غزة التي قطع للرأي العام الإسرائيلي، وعودا بتخليصه من شرور حماس.

وبعد أشهر من استنزاف القوات الإسرائيلية.. الناتج صفر.

ولعبدالملك الحوثي قول قريب لمبررات نتنياهو، لكنه يختلف في المفردات.

يقول في أعقاب أن دكت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي مواقع حيوية في الحديدة الأسبوع المنصرم «نجحنا في ضرب استراتيجية العدو الإسرائيلي في الانفراد بغزة، وبات قلقا ومشغولا في معارك خارج فلسطين. إسرائيل لن تمتلك الردع، ولن تستعيده تجاه عمليات الإسناد من جانب بلدنا والنتائج ستكون المزيد من التصعيد والاستهداف».

بعد تلك التطابقات في الخط السياسي للاثنين، يجوز القول، إن الدوائر التي أخرجت هذه النماذج الفاشلة حتى في الإنسانية، وتحدثت عنها في مطلع هذا المقال، مليئة بكثير من القتلة المجرمين، ممن يقتاتون على دعم ومساندة مئات آلاف المؤيدين، من السذج والأغبياء والمتوحشين.

أتصور أن الانشغال بالفاتنات الجميلات، أجدر بكثير من الاستماع لمدمني الدم ورائحته. أعتذر لاستعاذتي بالله عن الحب مسبقا. لقد أغواني الشيطان.

كما ارتبط بنتنياهو والحوثي وحبب إليهم القتل وإزهاق الأرواح؛ لذا دون خجل لا من حجر ولا بشر، تحولوا لباحثين عن شرعنة الإرهاب. قاتلهما الرب.