كشفت تصريحات ومواقف المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية كامالا هاريس الأخيرة، تبنيها رؤية مختلفة بالنسبة للحرب التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، إذ قالت عقب لقائها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، الخميس الماضي: «لا يمكننا أن نغض الطرف عن هذه المآسي (التي يتعرض لها الفلسطينيون في غزة)، لا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح مخدرين تجاه المعاناة، وأنا لن أصمت».
وفي تحليل نشره المعهد الدولي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس) البريطاني، تقول هيثر هورلبورت الزميل المشارك في برنامج أمريكا والأمريكتين بالمعهد، إن اختيار هاريس المشاركة في تجمع انتخابي بدلا من حضور خطاب نتنياهو أمام الكونجرس، الأربعاء الماضي، يقدم لنا إشارة واحدة إلى التحول الذي قد نتوقعه معها في السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة أن نصف الديمقراطيين في الكونجرس اتبعوا خطاها، وقاطعوا خطاب نتنياهو.
تسريبات هاريس
ليس هذا فحسب، بل في أوائل ديسمبر الماضي، خرجت تسريبات من البيت الأبيض تقول، إن نائب الرئيس كانت تريد تبنى موقفا أكثر تشددا ضد طريقة رئيس الوزراء الإسرائيلي في إدارة الحرب ضد الفلسطينيين، وفي ظهور علني في ديسمبر ومارس الماضيين، تبنت هذا الموقف المتشدد.
كما اعترفت بشكل علني بالكلفة الإنسانية الهائلة التي يدفعها المدنيون الفلسطينيون في الحرب، وبشكل لم يفعله بايدن.
تقول المحللة هورلبورت التي تتمتع بخبرة كبيرة في تحليل وشرح الفجوة بين ممارسة الشؤون الدولية وواقع السياسة في الولايات المتحدة، إنه رغم أن النقطة الخلافية بسيطة، لكنها يمكن أن تعطي مؤشرا مهما عن توجهات هاريس بشكل عام. مضيفة بأن هاريس كانت حريصة، ولكنها حازمة في الرسالة التي أرادت توصيلها بشأن الحرب في غزة.
وتنسجم هذه الرسالة تماما مع آراء الجمهور الأمريكي، والناخبين الأصغر سنا على وجه الخصوص، في الحرب الدائرة ومعارضته استمرارها.
خبرة سياسية
حسب تحليل هورلبورت، مديرة مشروع «النماذج الجديدة لتغير السياسة» في برنامج الإصلاح السياسي بمعهد «أمريكا الجديدة» للأبحاث، تمثل هاريس البالغة من العمر حوالي 59 عاما، تغيير أجيال واضحا، فهي تتبنى وجهة نظر عالمية للأمور، كما هو منتظر من ابنة مهاجرين أمضت جزءا من طفولتها في كندا. كما أنها ستتولى منصبها مع فريق من ذوي الخبرة حولها. ويمكن القول، إن الأمريكيين لن يجدوا من بين كل الرؤساء السابقين حتى جورج بوش الأب، رئيسا يتولى الرئاسة للمرة الأولى، ولديه الخبرة في السياسة الخارجية كالتي لدى هاريس.
تتحدث المرشحة الديمقراطية وتكتب باستمرار عن والديها المهاجرين، وتستخدم الأقوال الشعبية لأهل والدتها من جنوب شرق آسيا في حملتها الانتخابية، وتشير إلى رحلات عائلتها إلى أفريقيا أثناء زياراتها الرسمية.
والحقيقة، هناك نسبة كبيرة ومتزايدة من الأمريكيين الآن من أبناء مهاجرين.
وحتى 2019، كان أكثر من واحد من كل 10 مواطنين أمريكيين، وأكثر من 25% من الأطفال الأمريكيين، أحد والديهم على الأقل مهاجر.
بنود سرية
في حين يمكن القول، إن التزام بايدن العميق تجاه حلف شمال الأطلسي (ناتو) وإسرائيل، يعكس حقيقة الشواغل الأمريكية الرئيسة في فترة شبابه وتكوينه، فإن هاريس تمثل أجيالا جديدة من الأمريكيين، الذين يعدون حلف الناتو وإسرائيل مجرد شيئين مهمين ضمن أشياء أخرى عدة مهمة يجب الالتزام بها. كما أن الخوف من التهديدات التي تمثلها دول معينة يبلغ ذروته لدى الأمريكيين من كبار السن، لكنه يتراجع لدى الشباب الذين يرون أن قضايا مثل التغير المناخي وحقوق الإنسان، تستحق قدرا أكبر من الاهتمام.
الحقيقة، أن هاريس لديها خبرات استثنائية متراكمة في مجال السياسة الخارجية، نتيجة عضويتها في لجنة الاستخبارات والأمن الداخلي في مجلس الشيوخ، وهو ما أتاح لها الاطلاع على بنود شديدة السرية ومثيرة للجدل في سياسة الأمن القومي الأمريكي. كما اشتهرت خلال عضويتها في هذه اللجنة بالاستعداد الجيد لجلسات الاستماع، واستجواب مسؤولي الأمن القومي الأمريكي، الذين يتحدثون أمام اللجنة، وهو أمر متوقع من مدع عام اتحادي ناجح، قبل انتخابها لمجلس الشيوخ.
17 زيارة
رغم أنها لم تتعرض لأي قضية دولية مهمة أثناء وجودها في الكونجرس، فإن أي خبير سياسي سيقول، إن هذا أمر إيجابي وليس سلبيا بالنسبة لمرشح رئاسي في البيئة الإعلامية الأمريكية.
في الوقت نفسه، أتاح لها منصبها نائبا للرئيس الأمريكي خلال السنوات الـ4 الأخيرة الفرصة للقيام بـ17 زيارة خارجية، وهو ما يعكس رؤية بايدن لدور نائبته من ناحية، وقلة سفرياته هو من ناحية أخرى. كما مثلت الرئيس الأمريكي في كثير من المؤتمرات الدولية المهمة، منها مؤتمر ميونيخ للأمن بعد فترة قصيرة من بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، إلى جانب قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (أبيك)، وقمة رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وقمة المناخ العالمية كوب 28 في دبي. كما تواصلت بكثافة مع قادة المكسيك ودول أمريكا الوسطى، وزارت هذه الدول في إطار مسؤوليتها عن ملف الهجرة في الإدارة الأمريكية، إلى جانب زيارة 3 دول في أفريقيا.