ياسر عمر سندي

التسرب المعرفي والراتب الوظيفي

الأربعاء - 24 يوليو 2024

Wed - 24 Jul 2024

نحن نعيش حاليا في العصر المعرفي والذي اعتبره الخلاصة النهائية المتداخلة للعصور السابقة التي شكلت رأس المال البشري الحالي بفلسفة خاصة تدعم الخبرات والمهارات والهوايات والإبداعات الإنسانية المطلوبة، والتي أصفها بأنها التوليفة المعرفية للموظفين من التخصصات التي تحتاجها المنظمات لطرح مختلف المنتجات لتلبية جميع الحاجات.

مع مرور الأعوام يحدث التشبع التنظيمي الذي يشعر الموظفون معه بحالة غير مرضية من تدني الروح المعنوية وانعدام الشغف وانتشار الشكاوى وفقد الطموح المستقبلي، والبعض ينخفض لديهم التقبل الوظيفي ويتلاشى شعور الارتباط التنظيمي، ويتراجع الولاء المؤسسي وتتعالى الأصوات الكامنة بحالة سائدة من الملل القاتل والروتينية في التكرار والرتابة المقيتة، وتظهر لدى البعض الأنانية في السعي وراء المكانة والمنصب وانتهاز المزايا العينية والمادية؛ الأمر الذي تؤكده معظم الدراسات السلوكية للمنظمات بأن نسبة 85% من الموظفين تصيبهم تلك الحالات المتباينة، والنسبة الأكثر يميلون لترك وظائفهم بسبب أن رواتبهم لا تفي بمتطلباتهم المعيشية.

مفهوم التسرب المعرفي هو ذلك المؤشر الخطير الذي يعطي إنذارا بأن العقول الإبداعية الماهرة والابتكارية المتجددة التي تمتلكها المنظمة ستترك العمل مهاجرة بسبب بحثهم عن فرصة وظيفية بأحسن راتب وأفضل منصب؛ مما سيؤثر تدريجيا على تطور المنظمة ويصيبها بالخلل التنافسي في قوتها الاقتصادية وسمعتها المجتمعية ومكانتها السوقية.

برأيي ومن استقراء الوضع الراهن، فإن أول سبب يدفع رأس المال البشري لترك العمل هو تدني الرواتب مقابل الجهد والخبرة المبذولين في إنجاز العمل وأداء المهمة، فتظهر الفجوة المعرفية التي يجدها الموظف في نفسه وخبراته ويقارنها في السوق وبشركات أخرى ووظائف مماثلة قد تفوق 30% وأكثر من راتبه وبدلاته ومميزاته التي يتقاضها من شركته التي يعمل بها؛ مما يضطره إلى البحث والتحري عن البديل، وأول فرصة يجدها تلبي توقعاته وطموحاته فانه سيستقيل أو يتقاعد.

بعض الموظفين يمتلكون الخبرات العميقة والمتجذرة التي يستطيعون من خلالها مواجهة مختلف المشكلات الإدارية والعقبات التشغيلية والتعطلات الروتينية التي تعترض الكيان التنظيمي، سواء كان حكوميا يهتم بتقديم الخدمات أو خاصا يركز على توفير المنتجات؛ وفي المقابل يظهر سلوك التخلي الاستعلائي من قيام المنظمة بسرعة فكها للارتباط التنظيمي دون تفهم لوجهة نظر الموظف ومحاولة الاحتفاظ به، ضاربين عرض الحائط رابط العقد النفسي غير المكتوب الذي أبرم مشاعريا وأخلاقيا بين الموظف والمنظمة، الذي سيؤثر على استمرار المنظمة ونجاحها.

أرى بأن جائحة كورونا حتما قد أثرت على الاقتصاد العالمي والذي أثر بدوره على النواحي المجتمعية والاقتصادية، ومنها دخل الفرد ومعيشته؛ وحاليا بفضل الله تعالى نتعايش مع حالة التعافي الاقتصادي والوعي المجتمعي، الأمر الذي يتطلب من مجالس الإدارات بالمنظمات إعادة النظر برفع الرواتب والأجور لاستبقاء المعرفة البشرية وعدم هجرتها للمحافظة على رؤوس الأموال الاستراتيجية الأخرى.

Yos123Omar@