شاهر النهاري

أقاصيص اللحية والشارب عالميا

الثلاثاء - 23 يوليو 2024

Tue - 23 Jul 2024

شعرات بالوجه ظلت تاريخيا ترسم المعاني المجتمعية والدينية والسياسية والعسكرية والدعائية المهيمنة بين مختلف الأمم، وبما يصنع المعاني والدلالات.

وعربيا استمرت ثقافة اللحية الكثيفة منذ أيام الجاهلية، وقد تعاظمت مع الإسلام مؤثرة بحجمها وشكلها ومدى العناية بها تبعا لمقولات دينية وتراثية، جعلتها ميزة رجولة وثقة وتكريم، ووجاهة، وحكمة وهيبة.

وفي فترات استعمار الدول العربية طغت ثقافة أوروبا بحلاقة شعر الوجه وخصوصا عند علية القوم، واستمرت أثناء حركات الاستقلال والثورات، فكان الرجل المتحضر يتميز بلمعة الوجه دلالة على النظافة واللياقة الاجتماعية وخصوصا في صفوف العسكرية، تكاملا مع نظامها ومنهجيتها، فكان التفتيش على العسكري يشترط عدم التهاون، ولو بساعات كسل، تسبب بروز منابتها، ما يناقض تكامل عقيدة اللياقة العسكرية.

وكان قادة الدول العربية والسياسيين يضربون الأمثلة للشباب، بحرصهم على إبقاء وجوههم حليقة أثناء ظهورهم وأداء مهامهم وأنشطتهم، ولا يسعدهم طول لحى من يعملون معهم، ويكون أقصاها سكسوكة قفل أو مرساة مع شدة العناية برسمها.

وبقيت اللحى متوارثة فيمن يزاولون أعمال الدين بما لها من دلالة وقيمة.

ومع صحوة الثمانينات ساد على وجوه الرجال الشعر بكثافة، وتضررت قوانين اللياقة العسكرية، بعد أن شاع حف الشوارب، وتطويل الذقن، مزامنة مع تقصير سروال العسكري والتسلخ من الاهتمام بالمظهر ونبذ التحية العسكرية ونكران لبس الكاب وغيرها.

وحينها كثرت البلبلة، وحتى القيادات العسكرية لم تعد تتحكم بذلك، خشية كسر ثقافة الصحوة والتشدد بمفاهيم كانت تقلل من قيمة من يحلقون وجوههم، أمام من يبرزون اللحى الكثة صورة ومغزى.

واستمرت المفاهيم بالتغير والتنوع وتتبع الموضة، لتستقر مؤخرا على حل وسط بحلاقة ذقن متوسطة وعناية حريصة تتوسط بين الصحوة، وبين التحضر.

شعر وجه الرجال لم يكن يوما بعيدا عن ثقافة المجتمع ولا عن هيمنة المعتقد، ولا توجهات الساسة، ويضاف إليها الهندام المستساغ والنظافة الشخصية، والصيغة الوطنية، والأمر لا يستمر على حال، فكان التغيير يحدث، بمختلف الأشكال، والكثير كانوا يستغلون حرية الاختيار إما للتواكل والإهمال، أو البحث عن موضة شبابية تجذب الجنس اللطيف، خصوصا لو تقمصت شخصية مشهورة.

وفي الثقافة الأمريكية كان شعر الوجه سياسيا منعدما، رغم موضات هوليود طوال القرن الأخير، وكانت آخر محاولة سياسية للشاب «تشارلز كيرتس» المنافس على بطاقة الحزب الجمهوري عام 1932م مع هربرت هوفر والذي حاول تغيير النمط بشاربه الضخم، ولكنه فشل وانطوى.

وفي الانتخابات الأمريكية الحالية برز السيناتور «جي دي فانس»، نائب المرشح الجمهوري ترامب بلحية متوسطة، وهو بذلك يحاول كسر ثقافة أمريكية عريقة.

فانس، الذي ترعرع وسط مجتمع فقير، وعانى في حياته كثيرا، وظل متشبثا بمطاردة الحلم الأمريكي، وشجاعة الانفتاح على معاناته، فقام بنشر دقائق مذكراته في كتاب «Hillbilli Elegy»، والذي قامت قناة نتفليكس بتقديمه فيلما رائعا ملهما لكل عشاق الحلم الأمريكي.

فانس بذقنه الخفيف ووسامته وحميمية قصته ومظهره قد يغير ثقافة شباب أمريكا، حال فوزه مع ترامب، وربما يحدث ثورة عالمية لوجوه الرجال بالعودة للحى المهذبة، وخصوصا من يبحثون عن رموز محفزين، يعجبون بهم ويتبعونهم، ولو بمجرد شعرات ذقن متناسقة تستعصي على الموس، وترسم شكل المستقبل وثقافته بالماكينة والفتلة والمقص.

shaheralnahari@