وليد الزامل

المخطط المناضل والمصلح والمتفرج!!

الاحد - 21 يوليو 2024

Sun - 21 Jul 2024

إذا أردت أن تبني مبنى على أساس قوي ومتين عليك البناء استنادا إلى قاعدة صلبة، لا تفكر بالارتقاء عاليا دون أن تبني الأساس، ولا تحاول الاستناد على قاعدة هشة يمكن أن تنهار بك في أي وقت.

العلم في الكبر كالنقش على الماء؛ ولكن العلم في الصغر كالنقش على الحجر.

إن بناء القاعدة يكون باستثمار الكوادر البشرية والعمل على تنميتها، ويظل تخصص «التخطيط العمراني» أحد التخصصات العلمية الواعدة لكونه يؤسس لمدن منتجه قادرة على ترجمة بعض مستهدفات الرؤية الوطنية 2030.

ومع ذلك فالجامعات التي تدرس هذا التخصص محدودة ومخرجاتها لا تغطي كل احتياجات هيئات تطوير المدن والجهات البلديات.

التخطيط العمراني يتعامل مع المدينة بداية من إدراك الموارد الكامنة وتوظيفها بالشكل الأمثل ضمن إطار زمني بما يحقق المصلحة العامة.

المفترض أن المخطط العمراني يرسم خطة للمدينة تترجم احتياجات المجتمع وتتماهى مع الظروف المكانية والاجتماعية والثقافية، اعتمادا على قاعدة بيانات شمولية ومدخلات يشترك بها كل أصحاب المصلحة بما في ذلك القطاع الخاص، والمجتمع المحلي، والجهات الحكومية.

الخطط العمرانية لا يتم صياغتها اعتباطا لكونها تأتي اتساقا مع مستويات التخطيط المختلفة، فالخطة المحلية هي نتاج فهمنا لعلاقة المدينة في السياق الإقليمي والوطني.

إن نجاح التخطيط العمراني يعتمد على القدرة في التحليل الشمولي واستيعاب الفرص والموارد المتاحة والتوجهات الوطنية والتحديات المستقبلية والمرونة.

إن المتتبع الحصيف لمسار التخطيط العمراني على المستوى المحلي يدرك وجود فجوة واضحة بين مستويات التخطيط؛ فالتركيز عادة ما ينحو باتجاه «المنتج العمراني» دون استيعاب إجراءات الوصول لهذا المنتج، وهو ما يجعلنا في سباق محموم نحو إصلاح البيئة العمرانية.

وعلاوة على ذلك، فإن المشاريع العمرانية النموذجية أو النوعية غالبا ما تحدث في مسار «إجرائي» آخر بعيدا عن المسار التقليدي للتخطيط ودون استحضار مدى مواءمتها مع الخطة الاستراتيجية للمدينة لتكون بمثابة نقاط مضيئة أو مشاريع رائدة ولكنها محاطة بإشكالات حضرية عميقة.

أرى أن تحسين عملية التخطيط العمراني ينطوي على إدراك الجوانب الإجرائية التي تقود إلى استدامة المنتج العمراني، ولكنها تتطلب أولا فهمنا لآليه صناعة القرار التنموي، وصياغة التشريعات العمرانية، والتحديات المصاحبة لإجراءات التطوير العقاري.

يتخذ المخطط دور «المصلح» أحيانا لأنه يوفق بين مصلحة قوى السوق والمجتمع؛ وفي الوقت نفسه يتخذ دور «المناضل» فهو لا يكتفي بوضع الخطة؛ بل يناضل لوضعها موضع التنفيذ.

والأسوأ من ذلك كله عندما يتخذ المخطط دور «المتفرج» لمشاكل حضرية لا يشارك في حلها ليشاهد غيره يتعامل معها.

علينا أن ندرك أن الارتقاء بالمدن يقتضي الارتقاء بأساليب المعيشة وحق الوصول العادل للموارد، وهذا لا يمكن أن يتم دون فهم عميق لقوى السوق، والمصالح المتضاربة، والتركيبة السكانية، واحتياجات المجتمع، وخصائص البيئة المحلية.

ولعلي أعزي مكمن هذا الخلل في ندرة الكوادر البشرية المؤهلة، وانكفاء العديد منها في ممارسات بعيدة عن مجال التخطيط وتنحصر في مراجعة المخططات الفنية والمعاملات الروتينية.

علينا أن نبني الإنسان قبل بناء المدن، وبناء الكوادر البشرية في التخطيط العمراني يتم في المرحلة الجامعية المبكرة؛ لأن المفاهيم المغلوطة تأتي في الواقع نتيجة هشاشة قاعدة التأسيس.

باختصار، لا يمكن تصور مدينة مزهرة ومستدامة يتم التعامل معها باعتبارها مجرد منشآت أسمنتية!

waleed_zm@