زهير ياسين آل طه

مؤشر ائتمان وإدمان تحويلة الزمن للقرارات

الأربعاء - 17 يوليو 2024

Wed - 17 Jul 2024


أمامك تحويلة Detour Ahead؛ من الإشارات المربكة بالرغم من طبيعة هدفها الخدمي الذي لا غنى عنه، وتتردد أمامنا حسب الحاجة والضرورة والدقة في التنظيم والسلامة المرتبطة بالزمان والمكان «الزمكان»، والمقلق المربك الذي تجره التحويلة خلفها يكمن في تبني إدمان «فلسفة الزمن» وطول الزمن وعرض الزمن وارتفاع الزمن إن صح الوصف من منظور المقاربة مع مفهوم الوقت في الفيزياء وميكانيكا الكم، بحيث يمكن الجمع بين الزمن رياضيا مع الكميات المادية الأخرى لاشتقاق مفاهيم أخرى مثل الحركة  والطاقة الحركية والمجالات التي تعتمد على الوقت.

لاستيضاح فلسفة الزمن والمغزى من دمجها بالائتمان وبالإدمان وبالتحويلة المرتبطة بالاتجاهات والأبعاد المكانية كما يظهر في العنوان بشكل مبسط ومختصر؛ سنشير لمعلومات تثير الفضول لمعرفة المزيد مقتبسة من مقال منشور في The Atlantic في أبريل 2020 بعنوان «ما قد أخطأ فيه أينشتاين»؛ يظهر فيه المؤلف ناتالي ولشوفير أن الفيزيائيين لا يزالون في شك وغموض بين مؤيد ومعارض ومشكك للنظرية العامة للنسبية لأينشتاين، والتي يزعم فيها أينشتاين أن الزمن لا يمضي بل هو ماثل في الوقت نفسه سواء كان ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا، ويربطه كمثال بالمكان ذي الأبعاد الثلاثة «طول وعرض وارتفاع» ليصبح أربعة أبعاد على هيئة سلسلة متصلة ومتشابكة ببعض بمعنى «الزمكان»، مثيرا الجدل بإيمانه بأن الانتقال من لحظة زمنية إلى أخرى ليس إلا وهما ولا يوجد شيء اسمه الحاضر لديه، والغريب أن الحاضر لا يظهر أصلا في أي مكان في قوانين الفيزياء الحالية، وقد ناقض الكثير من العلماء نظرية أينشتاين، والأقرب في عام 2019 الفيزيائي السويسري نيكولاس جيزين بنظرية جديدة تفسر الزمن بتسلسله بما يشبه الأرقام التي تتولد بعد الأرقام العشرية في ظروف معينة، ليصبح الزمن نموذجا إبداعيا حيويا يمضي وينتج بسببه أرقام جديدة كلما مضى الوقت.

نعود لجزء من عنوان الموضوع بعد الخوض في متاهات الفيزياء، ونطرق باب الإدمان بكل مسمياته المتلازمة بمدلولاته وصفاته التي نعرف البعض منها جيدا وجليا ونهتاب ونرتاب أن نصاب ويصاب منها النشء وهي المخدرات، ونغفل للأسف عن البعض الكامن المستتر في هذا الزمن المضغوط على الكل مع الثورة الصناعية الرقمية الذكية، وربطه فلسفيا بمتلازمة تحويلة الزمن، وأن ما يدور حولنا من أحداث يستوجب وقفة وتصورا ويقظة وتحرزا خاصة للبعض الكامن المستتر، كونه أمر مخيف حينما يقرب ويلامس محيط المجتمع ويبدأ يتغلغل فيه، بل سيشكل معضلة تعطيل لجودة الحياة وقطع للحركة والنمو والتطور والإبداع والابتكار، وحينما يبدأ لا ينتهي إلا بصعوبة، وقد لا ينتهي ويترك خلفه آثارا وتراكمات واضطرابات نفسية وجسدية وعقلية تظهر على السطح كلما تغيرت الظروف واشتدت.

في المقابل نحن بحاجة ماسة لتقييم الأمور والقرارات العليا أو الفردية المؤثرة في طبيعة حياتنا وجودتها ومنها التكتيكية التنظيمية قصيرة المدى والاستراتيجية الذكية بعيدة المدى، والأخذ بعين الاعتبار البحث في ابتكار مؤشرين جديدين بسيطين، ووضع قياسات مناسبة لكل منهما، لتحديد أي من القرارات المتخذة في حينها وبعد مضي تطبيقها يمثل أو يميل نسبيا لأي من المؤشرين.

ولنضع «الإدمان» الكامن المستتر كمؤشر يتم ربطه بفلسفة تحويلة الزمن لأينشتاين ممثلا عن من هو متعثر ويدور في حلقة ويعود إلى نقطة مهما اتجه بالأبعاد الأربعة «الزمكان»، والآخر مؤشر نعطيه مسمى «الائتمان» المرتبط بإبداع الزمن لجيزين بعيدا عن التحويلات المعيقة ممثلا لتحقيق الإنجازات بالجد والإخلاص والمثابرة والذكاء، والذي قد ينطبق مستقبلا على متابعة قياس تحقيق الرؤية المباركة 2030.

إدمان المراهقين للإنترنت وهو من النوع الكامن الخطورة والمستتر ومعه الرقمي، يفسره الباحثون حسب دراسة جديدة من كلية لندن الجامعية المنشور في يونيو 2024 في مجلة PLOS Mental Health بأنه عدم قدرة الشخص على مقاومة الرغبة في استخدام الإنترنت بمعنى الاستخدام القهري، مما يؤثر سلبا على صحته النفسية، فضلا عن حياته الاجتماعية والأكاديمية والمهنية، فهل يعتبر هذا النوع ضمن سلسلة إدمان تحويلة الزمن لأينشتاين؟
سندخل هذا النوع من الإدمان المستتر للمراهقين مع ما يماثله في الميديا المسمى «إدمان التفاهة» لجميع الأعمار في دائرة متلازمة تحويلة الزمن لأينشتاين، التي لا تؤمن بحركة الزمن بل مثولها في الوقت وفي كل التحويلات الزمانية والمكانية «الزمكان»، كون مدمنيهما يدورون في حلقة مفرغة مادية وفكرية ويتحركون ولا يتحركون بمعنى البقاء في نقطة أو العودة إليها مما تؤدي بهم للاضطرابات والضمور والاكتئاب، وهذان النوعان من الإدمان يمكن أن يصبحا مرآتان لاستنباط القياسات للأنواع الأخرى.

ومن الأمثلة القريبة التي شهدناها وأحدثت جدلا بحيث يمكن أن نضعهم تحت التقييم الآني والمستقبلي المتكرر والمجدول من ناحية مؤشري الإدمان والائتمان ونذكر منهم لا للحصر ثلاثة قرارات: إلغاء أمانة الرياض عقد برنامج إجادة الذي أربك ثم أنهى الكثير من المنشآت الصغيرة والمتوسطة ولا يمثل من مسماه للأسف مواصفة الجودة العالمية ISO9001، وعقود انتقال الموظفين لشركة الصحة القابضة التي قبضت عليهم بشرط القبول في أسبوع، وتحديثات نظام التأمينات الاجتماعية لسن التقاعد التي لو شملت العناية الصحية والتأمينية الطبية المقترحة للمتقاعدين لتكاملت، وهناك الكثير من القرارات التي لا تعد ولا تحصى، وتأثيرها مفصلي يكمن في جودة الحياة التي تدخل بشكل مباشر وغير مباشر في أنظمة الوزارات والهيئات والمؤسسات والجمعيات، لارتباطها بالإنسان وما يتعلق به من حياة أمان كريمة صحية وتعليمية وعملية عادلة.

وأما الاستخدام القهري الذي ورد ذكره في الإدمان الرقمي؛ فهو مهم كمقياس لمؤشر الإدمان بالنسبة لمن يريد أن يطبقه على مستوى القرارات الفردية، بحيث يقيم اتخاذ القرار المتخوف المشكك المتسرع من القرار الحاد المبني على خبرة طويلة وممارسة وعلم ودراسة ومعرفة وإبداع وابتكار الذي يمثله مؤشر الائتمان، بمعنى أن الإدمان في هذا الاتجاه مرتبط بعدم القدرة على مقاومة استخدام التطفل والاجتهاد بدون خبرة، والنتيجة أخطاء متكررة ومؤثرة سلبا تعطل تحقيق الإنجازات والمستهدفات، مما يساعد هذا القياس على اتخاذ قرار توجيه وإنذار أو إزاحة الفرد الممارس لإدمان تحويلة الزمن إذا أصبحت مرضا لديه كمتلازمة.


zuhairaltaha@