بسمة السيوفي

رجع الطرحة

الثلاثاء - 16 يوليو 2024

Tue - 16 Jul 2024


لا بد أن تتحلى بشيء من العقلانية بسبب وضعها المنكوب، ما زالت في أوائل عقدها الثالث ولم يفت الأوان بعد، غادرت المكان تاركة الأمنيات، بالرغم من مرور 8 أشهر بينهما، إلا أنه لم يلمح أو يصرح بأي ارتباط، لم يكن هناك شيء آخر بوسعها أن تفعله، الجاني الأكبر هو الوقت عندما يشترك في جريمة التسويف.

تذكرت بعد يومين أن وشاحها الرمادي لا زال عنده، ربما سيتخلص منه، أو قد يحتفظ به إلى الأبد، انسحبت قبل أن يكرر أسبابه المعلبة والمبردة، بأنه غير مستعد ظاهريا، والحقيقة تقول إنه يهاب منظومة الزواج، يشعر بضغط الالتزام ولديه أعراض «الجاموفوبيا» التي تظهر عند جدية الارتباط.

رهاب الزواج شائع عند الجنسين، لكن بالأكثر عند الرجال، بسبب التحديات الشخصية والمالية والاجتماعية التي ستأتي مع الزواج، ولنسأل أسئلة أعمق فنقول: يا ترى مما يخاف هؤلاء؟ ولماذا الهروب من الآخر عندما تبدأ الأمور بالجدية؟ كما يمكن أن نسأل: هل ثراء الرجل هو الذي يحيطه بالنساء؟ ولماذا يتكاثر الرجال غالبا حول المرأة المثيرة؟ وكي نجيب على ذلك لا بد أن نفصل في العوامل التي تجعل الرجل ينجذب إلى المرأة.. أولها» أنه يريد أن يظفر بالارتباط بها دونا عن الآخرين، أو لأن مؤشرات الجمال عالية لدى من اختارها، وبالتالي ترتفع مؤشرات الخصوبة لدى هذه المرأة، هناك أصل جيني في طبيعة الرجل تجعله يبحث عن البشرة الصافية والشعر الكثيف والشفاه الممتلئة والخصر النحيل.. وأين العاطفة من كل هذا؟ كل تلك الاستفسارات تضع العلاقة الديناميكية بين الرجل والمرأة على كف عفريت.. فهل لو كان الرجل أقوى وأكثر تنافسية ستنجح العلاقة؟ وهل لو كانت المرأة أنعم وأكثر إثارة وجمالا؛ سيضمن ذلك استمرار العلاقة بشغف؟ هل هذا فعلا ما يريده الرجل من المرأة في ظل شعوره «بالاستحقاق».. وإن رفضته قد يبادر إلى إيذائها بأي شكل من الأشكال؟ وما الذي تريده المرأة حقيقة من الرجل في ظل مؤسسة الزواج؟
أما عما تريده الأنثى من الرجل وهي التي تستثمر في عملية التكاثر أكثر منه، تحمل الجنين لتسعة أشهر، يتوسع الرحم ليصنع له منزلا، ثم تنزف دما لتخرجه إلى الدنيا، ترتبط بإرضاع طفلها حولين كاملين إن أرادت التمام، وهي التي تحمل الانتقائية الأعلى في التزاوج طوال تاريخ التطور البشري، فتفضل الذكر صاحب الموارد الوفيرة والبنية الجسمانية القوية؛ لأنه سيوفر لها كل ما تحتاجه أثناء حملها وولادتها.

«قد لا تفضل المرأة بالضرورة الرجل الثري، بل تفضل الأوضاع والصفات التي تؤدي إلى الثراء؛ كالمكانة الاجتماعية، والطموح المهني؛ وتفضل الرجل الذي يظهر علامات الوفاء واستمرارية العطاء.. تبحث في التفاصيل النفسية والجسمانية الدالة على سلامة جينات الرجل؛ كالاستقرار العاطفي، وجاذبية ملامح الوجه؛ لأن الجينات ستلعب دورا أساسيا في تحديد جودة حياة ذريتها؛ فالرجل الذكي سيورث ذكاءه، والرجل القوي سيورث قوته».

هذا «اللايقين» في الإرادات يقابله تساؤلات عن مدى صمود مؤسسة الزواج في ظل انفتاح مجتمعاتنا المحافظة على عوالم جديدة ومختلفة، وعن اعتيادية أن تبقى المرأة بلا زواج لسن الثلاثين وأكثر، وعن طبيعة قبول تعدد تجارب الذكر خارج إطار الزواج دون الاعتراف بأنها كبيرة من الكبائر، ودون أن تكشف نوايا كلا الطرفين.. فيكون الانسحاب نتيجة للجبن أو التهاون، ولأن العلاقة كانت غاياتها المرح والإثارة دون التفكير في القادم، أو للحصول على الدعم النفسي والعاطفي، أو لتحقيق المكاسب المادية؟
خوف بعض الرجال من الالتزام الرسمي قد ينبع من تجارب سابقة، سواء كانت شخصية أو مر بها آخرون فشلوا في علاقاتهم الزوجية. يدخل الرجل منهم في علاقة عاطفية بقوة وشغف في البداية، لكن مع مرور الوقت، يبدأ في الشعور بالضغوط والمسؤوليات المحتملة، مما يدفعه للانسحاب كحل أسهل، ونتيجة لهذا الخذلان وانعدام الأمان.. تبدأ المرأة في الشك في قيمتها الذاتية وتفقد الثقة في قدرتها على بناء علاقات صحية، وتتولد لديها مخاوف من تكرار نفس التجربة مع شركاء آخرين، مما يجعلها أكثر حذرا وتحفظا في العلاقات المستقبلية.

التجربة العاطفية الفاشلة هي درس موجع لكنه قيم.. ومن المهم أن تمتلك المرأة القدرة على تمييز العلامات المبكرة للتلاعب عبر الثقة بالنفس والوعي الذاتي لاختيار شريك أكثر التزاما واستعدادا للعلاقة الجادة، كما أن وضع حدود راسخة في العلاقة والتواصل بوضوح حول التوقعات منذ البداية.

أما عن كيفية التعامل مع الانسحاب من العلاقة؛ فإنه يتطلب قوة نفسية ودعما اجتماعيا، ومن المهم أن تدرك المرأة أن ما حدث ليس انعكاسا لقيمتها الذاتية، بل هو نتيجة لمشاكل الرجل نفسه؛ لذا كان من الضروري البحث عن الدعم من الأصدقاء والعائلة، والبحث عن مساعدة مهنية من مستشار نفسي لمواجهة الجروح واستعادة الثقة بالنفس.

يقولون «إن الرجال هم نتيجة تجربة تناسلية تجريها النساء على سنة الله ورسوله.. لا يهم بعدها عدد الأوشحة المتروكة أو «الطرح» التي تورث بعد الرحيل.. هي شاهدة فقط على تجارب خذلان تمت النجاة منها مع سبق الإصرار والتلطف.. ولن يكون هناك فرق إن وضع الوشاح في الأدراج أو لبس حول الرقبة، كلها ممارسات تتأرجح بين الجدية والترك.. ربما يعيد أحدهم «الطرحة» رغم غواية الذكريات.. ربما يرجعها.. إلا أن الصادق الوفي لن يمنعه شيء أو أحد.


smileofswords@