هل حقا «باريس» مدينة النور والجمال؟!
السبت - 13 يوليو 2024
Sat - 13 Jul 2024
عاد من إجازته السنوية بمجموعة من الصور يظهر بها وهو بكامل أناقته، ترتسم على محياه الابتسامة؛ عاد ووجهة متورد يزهو بالفرح والمسرات فقد تحقق النصر ومن خلفة قوس النصر.
جولات عديدة قضاها داخل متحف اللوفر تارة في قاعة الحضارات الإنسانية، وتارة أخرى في قاعة اللوحات الزيتية.
أراه بجانب لوحة الموناليزا يتأملها بمشاعر مرهفة ملؤها حس فني وثقافة عالية، وهو بذاته لم يزر أي متحف تراثي محلي في حياته.
على أي حال، مدينة باريس شيء آخر، إنها عاصمة الحب والجمال؛ ومدينة الجن والملائكة. يكفي أن تقول «باريس» ليتبادر إلى ذهنك مشاهد لبرج إيفل، ومتحف اللوفر، وشارع الشانزليزيه، وقوس النصر، وقصر فرساي، ونهر السين، وجملة من المتاجر العتيقة ونفحات من العطور الفرنسية.
باريس هي مركز اقتصادي وثقافي وهي عاصمة الأزياء والعلوم ومركز الفنون وهي وجهة سياحية رائدة في العالم بما تملكه من معالم سياحية ومتاحف ومناطق أثرية.
المدينة تفوقت بمداخيلها الاقتصادية على دول عديدة على مستوى العالم. يرددون دائما «باريس» ساحرة فمن يزورها مرة لن يتوانى بزيارتها مرة أخرى.
أما أطباقها فهي حكاية أخرى تم تطويرها وتسويقها بشكل متقن ولها نصيب من العشق؛ لا سيما طبق أرجل الضفادع الشهير، ولسان البقرة الفرنسية، وكبد الإوز، وأوراك البط.
حتى وإن لم تزر «باريس» فالصورة الذهنية للمدينة باعتبارها عاصمة الثقافة والرومانسية والجمال هي بحد ذاتها تأخذك إلى عالم الخيال.
إدارة المدينة نجحت باقتدار وعلى مدار عقود طويلة تراكمت في صناعة هوية ثقافية وعلامة تسويقية فارقة لعناصر عمرانية ومتاحف ومسارح وكنائس ظلت تتباهى وتختال كمزارات سياحية يزورها الملايين كل عام.
لن يصدقني أحد إذا تحدثت برواية أخرى خلاف ذلك، فالصورة الذهنية لا تتغير بين عشية وضحاها؛ لأنها ببساطة انطبعت في العقل الباطن.
لا أريد أن أكون قاسيا لأستفز القارئ في وصف برج إيفل بأبراج الكهرباء ذات الضغط العالي والتي نشاهدها يوميا في بعض الشوارع. تلك الأبراج التي تحاول إدارات المدن إخفاءها في كل مرة يزحف العمران نحوها، ولن أتحدث عن نهر السين الذي تزداد فيه نسبة الملوثات لتحاول إدارة المدينة جاهدة في تنظيفه قبل موعد دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس لعام 2024.
ولن أتحدث عن المتاحف في باريس فمدننا تعج بمئات المناطق التراثية التي تحمل أبعادا وقيما ثقافية وقصصا وأحداثا تاريخية أكثر عمقا وأصالة وهي بحد ذاتها متاحف مفتوحة.
ولن أتحدث عن حوالي 5 ملايين من القوارض يعيشون ويتعايشون في باريس بمعدل اثنين من الفئران لكل مواطن.
ولن أتحدث عن تعامل بعض الفرنسيين بفوقية واستعلاء مع الغرباء فهو موضوع له أبعاد وسرديات يطول شرحها.
أتردد بالتصريح بكل ذلك لأنه يخالف الرأي السائد الذي أصبح منطقا في مسرح الرأي الجمعي.
باريس هي باريس وبرجها معلم، هو بحد ذاته تحفة فنية تفاخر به؛ بل يكفي زائرها أن يحتسي كوب قهوة على شارع الشانزليزيه ولسانه حالة يقول «لقد فعلتها».
لا يهم أن نتفق أو نختلف بالرأي؛ الأهم من كل ذلك أن نؤمن معا بثقافتنا المحلية ونسعى جاهدين لترويجها عالميا لصناعة هوية راسخة.
المستقبل أمامنا لنعيد رسم سيناريو ثقافي من نوع مختلف وفي مكان آخر؛ لنبدأ بكتابة قصة العمران على جدران بيوتنا ونسهم في صنع ثقافة مدننا.
waleed_zm@