أمين شحود

بين البقدونس والكزبرة

الأربعاء - 10 يوليو 2024

Wed - 10 Jul 2024

لم أكن أتوقع أنني سأسقط يوما في فخ التشابه بين البقدونس والكزبرة؛ وذلك أنني هرعت إلى محل خضراوات بعد أن نصحني الناصحون بضرورة شرب مغلي البقدونس إثر حصوة جريئة تسللت إلى الحالب فأحدثت لي ألما جعلني أتمثل بقول الشاعر العربي الكبير
لا تحسبوا رقصي بينكم طربا
فالطير يرقص مذبوحا من الألم
ووجدت البائع مع أحد زبائنه يناوله حزمة خضراء، فأشرت إليه أن يعطيني مثلها، فلما رجعت إلى البيت شككت في أمرها قبل أن يتضح لي أنها كزبرة.

سنوات طويلة من الصمود والثقة في القدرة على تمييز البقدونس عن الكزبرة قبل أن تتحطم فجأة لأصبح مثل سائر الرجال.

تنص نظرية البقدونس كما يعرفها شخصي الكريم على أن الإنسان عادة لا ينتبه للفروقات البسيطة في ظاهرها الجوهرية في مضمونها، وأنه يبني أحكامه وفق معايير شكلية ويغفل عن المعايير العميقة المهمة، وأن الإنسان مهما ادعى أنه صاحب علم وتجربة فإن ذلك لا يجعله في مأمن من الخطأ في التمييز بين البقدونس والكزبرة، فكيف به وهو يزعم أنه يملك مفاتيح معرفة الحق والباطل وما بينهما من طرائق ومشتبهات؟
قيل لحكيم: أي الآلام خير؟
قال: تلك التي تدرك معها ضعفك وتنزع كبرياءك وتجعلك تنتبه إلى نفسك وتقربك إلى الله.
قيل: فما شرها؟
لكن الحكيم لم يجب بل صار يصرخ ويتأوه، فقيل له: ما بك؟
قال: إنني أتبعرص.
قيل: ماذا يعني؟
قال: أتبعرص أي أتلوى وأضطرب من شدة الألم، وأصل الكلمة فصيح كما ذكر ذلك الحسن الصاغاني في كتابه التكملة والذيل والصلة لكتاب تاج اللغة وصحاح العربية.

قيل: "مو وقت معلوماتك" يا حكيم.

وواصل الحكيم صراخه وأضاف: يا بني.. إن الرجل إذا اشتدت عليه الآلام يضطرب فؤاده ويختل توازنه ويتشتت تفكيره ويكاد يفقد عقله ويصير يهذي بما لا يدري، فاسألوا الله السلامة واحمدوه على العافية، فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى ومن اعتادوا على المسكنات.

ثم إنني تكاسلت عن إرجاع الكزبرة، وقررت أن أغليها وأشرب ماءها، وأوهمت نفسي بأن الكزبرة أخت البقدونس، ومنذ ذلك الحين لم أشعر بأي ألم.