عبدالحليم البراك

انتصارات الهزيمة!

الاثنين - 08 يوليو 2024

Mon - 08 Jul 2024

باستثناء الهزيمة التي جاءت من حماقة، أو الهزيمة التي جاءت على شكل انتحار مرضي يخلو من صحة العقل والبدن، أو تلك الهزائم التي جاءت نتيجة الدخول في معارك لم تمر عليها الحسابات العاقلة، فإن معظم الهزائم هي انتصارات، أو بعبارة أخرى ما من انتصار إلا وقبله مجموعة من الهزائم الصغيرة، وإن طاب لنا القول بأن الضربات (الهزائم) التي لا تقتلك تقويك، فإن معظم الانتصارات الكبيرة كانت بدايتها عبارة عن هزائم صغيرة، ولو فكرت المطرقة التي تطرق الجدار بأن الضربة الأولى التي لم تؤثر فيه هي هزيمة، وأنها هزيمة لا انتصار فيها لم تجد أي مطرقة سبيلا لكسر أي جدار، ويوم فقدت فيتنام أكثر من مليون ونصف من أبنائها كانت عبارة عن خسائر الأمهات، وانكسارات العائلات، ويتم الأطفال وحزن الشيوخ على أبنائهم في الحرب، لكنها أشارت إلى أن دولة آسيوية في أقصى شرق آسيا انتصرت على أكبر قوة في العالم بلا مواربة ودحرتها وعادت إلى بلادها ولا زال عقلاء الشعب الأمريكي يحذرون من دخولها في مستنقعات الحروب مذكرين بما حدث في فيتنام.

ومهما يكن من أمر الدول والحروب فإننا على مستوى الحياة الشخصية، ما من انتصار وتحقيق الفوز إلا بعد تعب الانكسارات من الهزائم الصغيرة، من يقاتل من أجل وظيفته لابد أنه عانى من قلق الدارسة، ومن عاني من قلق المكانة، لا بد وأن له تاريخا عصاميا كبيرا في البحث عنها، ومن تعب كثيرا في الحكمة لابد وأن مدرسة الحياة قد علمته الكثير من الضربات على مؤخرة رأسه (على شكل هزائم صغيرة متتالية) حتى أخرجت الحكمة الكامنة من عقله، والتاجر الصغير الذي أمن قوت يومه من متجره هذا، لا بد أنها ليست المحاولة الأولى للتجارة بعد أنه مني بخسائر ومحاولة فاشلة.

وما أرباح الشركة التي تقررها كل عام إلا عبارة عن مجموع الخسائر القليلة مقابل الأرباح الكبيرة، وما الخسائر الصغيرة إلا عبارة عن تجارب لن تتكرر في الأعوام المقبلة حتى تتحول الأرباح إلى أرباح قليلة مقابلة للأرباح الكبيرة؛ لتكون في مجموعها أرباحا عامة للشركة.

وما بناء الأوطان إلا عبارة عن هزائم صغيرة ينجو منها الوطن ليحقق الربح الأكبر وهو الأمن والتقدم والتنمية لوطن، وما تلك المحاولات الفاشلة إلا دروس مكنت أبناء الوطن من تعلم الدرس جيدا حتى صارت الأوطان تتقدم على يد أبنائها الذين يقدمون تضحياتهم (هزائم صغيرة) لكنهم يفوزون بالانتصارات الكبرى وهي بناء الوطن.

وما مقاومة الظلم الذي يذهب ضحيته الأفراد في غزة (الأطفال والنساء والشيوخ) وعلى عظم الضحايا والدم المسلم إلا أنه بداية النهاية للغاصب المحتل، فإما أن يرضى بالحل الذي يمنح العدل والسلام للمنطقة وإلا فإن سلسلة الهزائم الصغيرة الفلسطينية هي بداية الانتصارات الكبرى لهم وإلا لن يحصل لهم النصر الشريف الذي ينتظرونه منذ سنوات حتى تبقى فلسطين حرة.

يجب ألا نبتئس بالإخفاقات الصغيرة، ولا بالهزائم العابرة، ولا بالنكسات المؤقتة، فإنها هذه هي التجربة وهي وقود النجاح، وإن لم تتلق الضربات فمن المؤكد أنك لم تدخل معركة قط، ولذلك ربما تكون هذه الكلمات هي عزاءات الحكمة لمن تعرض للهزيمة وذلك بأنها ليست نهاية المطاف وأن له روحا يجب أن تحلق في فضاء الحلم بالنصر الذي يمكن أن يتحقق في أي لحظة!

Halemalbaarrak@