فهد عبدالله

ابتسامة التناقض

الاثنين - 08 يوليو 2024

Mon - 08 Jul 2024

ألم تمر عليك عادات أو أفكار في السابق تعايشت معها وكأنها بمثابة الألف باء للنظر والتفاعل مع الحياة وبعد فترة من الزمن وجدت أنها ليست حتى ضمن حروف الهجاء؟ هل مررت بتجارب قاسية وكان سببها التشبث بأفكار خاطئة كليا أو جزئيا، وكلما تذكرتها نفثت عن يسارك ثلاث مرات؟ هل تنامت لديك يوما ما أحاسيس الندم على أشياء فعلتها أو أشياء لم تفعلها؟، هل مررت بمواقف عسفت بمساراتك نحو الضيق والحزن؟ لا مناص بأن تناثرت في دواخلك شيء من مشاعر الحزن سواء كانت ذات موجة قصيرة المدى أو كانت عاتية واعتقدت بأنها لا تبقي ولا تذر وطبيعتها بأن تحوم وتبسط جناحيها دون تحريكهما من مرتفع الأقدار إلى منخفض بني البشر.

هي طبيعة من طبائع الحياة ويتفاوت الناس نضجا في التفاعل معها والموفق من يدخل ويخرج في مثل هذه الحالات وتظهر على المحيا ابتسامة الإدراك والرضا التي التمست في الأعماق «ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكل نعيم لا محالة زائل».

ولعل هذه الابتسامة – ابتسامة التناقض - تعتلي جميع أنوع الابتسامات لكونها ارتبطت بذروة الوعي وخلاصة أعماق التجارب البشرية التي تقول لنا بأنه لا يبقى شيء على حاله، وكل شيء مصيره التذبذب مهما علا أو انخفض في هذه الحياة الدنيا، وأن أفضل طريقة خلاص واستمرارية هي ابتسامة التناقض بكافة مقوماتها النفسية؛ لأنها تهذب وهج الفرح في حالة الأحداث الإيجابية وتخفف كثيرا من آثار الأحداث السلبية فضلا عن أنها نتاج تراكم نفسي زمني طويل استقرت فيها الميول نحو السلام والابتسامة رغم كل الظروف.

وعلم النفس الحديث يتصافح مع هذه الرؤية حول ابتسامة التناقض، فكما أنها نوع من الوعي الذي تشكل مع تجاعيد الزمن كذلك يؤكد المسحة العلمية فيها بأن مجرد التظاهر بالابتسام يجعلنا أكثر سعادة، الدكتور نيكولاس كولز من جامعة ستاندفور أجرى دراسة حول هذا الموضوع والتي نشرت في موقع ميديكال نيوز توداي ويمكنك أيضا الاطلاع عليها في موقع جمعية علم النفس الأمريكية النفسية لعام 2022.

شارك في الدراسة 26 مجموعة بحثية من 19 دولة مختلفة بإجمالي أكثر من 3800 مشارك في العمل، خلاصتها أن التأثيرات التي أتت من مجرد التظاهر بالابتسام لم تكن مجرد شعور وهمي، بل كانت تلك الابتسامات تزيد من السعادة وكذلك التظاهر بالعبوس يزيد من الشعور بالغضب، ويعلق الدكتور كولز (أن النظرة الكلاسيكية لهذا الأمر تفيد بأن أسارير الوجه تنشط الدماغ الذي يتسبب بدوره في إحداث استجابة عاطفية على كامل الجسم. غير أن هذه الفكرة مثيرة للجدل وفي النظرية الثانية الأقل إثارة للجدل أن ردود الفعل الحسية التي ترى على الوجه ما هي إلا مجرد إشارة تستخدمها أدمغتنا لفهم ما نشعر به؛ فالابتسامة مثلا هي إشارة تخبرنا أننا نشعر بالرضا، والعبوس هو إشارة تخبرنا أننا نشعر بالسوء).

أن تحتمل التحديات ومشاعر الحزن وتواصل المسير والابتسامة ملازمة لك فذلك من أسرار الحياة التي لا يستطيعها إلا الأبطال كما عبر عنها الكاتب والناقد المصري الموهوب رجاء النقاش فالإنسان الحزين هو مشروع إنسان فقط، وليس إنسانا كاملا، أما الإنسان الناضج الذي يفهم بعمق فهو الذي يبتسم ويفرح.

إذا كان الحزن دليلا على المعرفة والفهم، فالفرح والابتسام هما دليلان على احتمال الحياة.

fahdabdullahz@