باسم سلامه القليطي

قصور الرمال وبيوت الثلج

الأحد - 07 يوليو 2024

Sun - 07 Jul 2024

بلا مقدمات منطقية، وبلا مبررات عقلانية، أصبحت الحياة العامة في جزء كبير منها، تتمحور حول لفت النظر، وجذب الانتباه، بأي صورة كانت، وكأن الأفعال لم تعد تنسجم مع النوايا، والمواقف تختلق اختلاقا باهتا قبيحا، مثل جيفة اجتمع حولها الهوام، وليس اللوم على القصور الرملية في عدم تماسكها أطول فترة ممكنة، ولا على البيوت الثلجية في سرعة ذوبانها وعدم مقاومتها، فهذه طبيعتها الفيزيائية، إنما اللوم على ذاك الجاهل الذي أراد أن يسكنها ويعتمد عليها.

اختلاف الأذواق أمر بدهي، وواقع طبيعي، لكن هذا الاختلاف لا يعني سحق الذوق وخنق المنطق، فلا مساس بخطوط الدين أو الوطن، ولا استظراف بأمان الناس وكراماتهم، ولا استخفاف بعقولهم وأشكالهم، ليس تزمتا أو تربصا، وإنما هي حقوق وواجبات، ووعي بحماية النفس واحترام الذات.

يعتل المزاج أحيانا، ويتكدر الخاطر أحيانا أخرى، ولا تجد النفس ما يسليها ويذهب غيوم الكآبة المتحلقة في سمائها، سوى برامج التواصل القريبة البعيدة، الغنية الفقيرة، بحسب ما تتابع وتبحث، وبحسب الخوارزمية التي تنسجم مع ذوقك بصورة مدهشة ومقلقة، ومع هذا لا تتوقف الغرائب والعجائب عن زيارتك وإدهاشك، أخبار مسيسة، وصور مفبركة، وأكاذيب ملفقة، وجميعها إما تحارب الدين العظيم، أو تهاجم الوطن الغالي، أو تفسد الفطرة السوية.

كم حديث يظنه المرء نفعا
وبه لو درى يكون البلاء

العين التي لا تتأمل، والعقل الذي لا يتدبر، والأذن التي لا تميز، والقلب الذي لا يصرف مشاعر الحب والإعجاب لمن يستحق، جميعها شريكة في جريمة الوقوع في شراك الخداع، وتقود صاحبها إلى سوء الاتباع والضياع، فالجاهل عدو نفسه وعدو مجتمعه.

دواؤك منك ولا تشعر
وداؤك فيك ولا تبصر

كن مع ما ترى وتسمع وتقرأ ناقدا متأملا حذرا، إن كان من مصادر موثوقة فاقبله، وإن كان غير ذلك فلا تعبأ به، ومع مرور الوقت وتعاقب التجارب، ستجد أن الحذر واقع حتمي، واختيار إلزامي، والعرب قالت في المثل «كن أحزم من قرلى، إن رأى خيرا تدلى، وإن رأى شرا تولى».
(القرلى طائر مائي حذر).

فكم من شبهات شوهت عقائد قلوب مؤمنة، وكم من أكاذيب أفسدت بيوتا مطمئنة، وكم من شائعات دمرت أوطانا مستقرة!، لكن الوعي الجمعي، يعيد الأمور إلى نصابها، ويسمي الأشياء بأسمائها، فمهما كانت بيوت الثلج براقة بجمالها، فإن شمس الحقيقة تذيبها، وتعيدها لطبيعتها السائلة، التي سرعان ما تتبخر وكأنها لم تكن، ومهما كانت قصور الرمال متقنة الصنع، جذابة في تفاصيلها، فإن أمواج الحق تنسفها وتعيدها لأصلها، لأن الحق يبقى والزائف يفنى.